المراد حيي طسمٍ وجديسٍ فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر، لتجاورهما في الذكر، واشتهارهما في العرف. وقوله " يردي المقرفين نكالها " فالإفراف: هجنةٌ تلحق من قبل الفحل. وخصهم بالذكر لأنهم عنده لا يأنفون من التقصير في الحرب والنكول، ولا يمتعضون من الانهزام والنكوص، فالبلاء إليهم أسبق، والنكال فيهم أبسط. وقوله " لهم عجزٌ بالحزن فالرمل فاللوى " رتب النسق بالفاء لما يفيده من التعقيب بلا مهلةٍ. وفي الأمر العام يقطع الحزن - وهو ما غلظ من الأرض - إلى ما سهل من الرمل، ويقطع الرمل إلى اللوى، وهو مسترقه. وقوله " وقد جاوزت حيي جديس " فإنه يعني بلاد حيي طسمٍ وجديس، فحذف المضاف. والرعال: جمع الرعلة والرعيل، وهما الجماعة المتقدمة من الجيش. والمراد أنهم لكثرتهم شغلوا ما بين هذه المواضع. ومثله ما تقدم من قوله:
الحرشف: الجماعة من الرجالة. ويقال راجلٌ ورجلٌ ورجلةٌ ورجالةٌ للمشاة على أرجلهم. وصفهم بأن فيهم رماةً وأنهم عند التعبية تتقدم الرجالة الرماة، وخلفهم الفرسان كالسثد لهم والإياد، يمنعونهم مما يشردهم أو يغير نظمهم؛ ثم وصفهم بأن نبالهم تقدر للقلوب الغارة، لأنهم حذاقٌ يصيبون المقاتل. ومعنى " تتاح " تهيأ. ويقال تاح يتوح ويتيح، لغتان. وأتاح الله له كذا. والغرات: جمع غرة، يقال جاريةٌ غرةٌ: غريرةٌ. ويروى " لحبات القلوب "، والمعنى ظاهر.
أبى لهم أن يعرفوا الضيم أنهم ... بنو ناتقٍ كانت كثيراً عيالها
يقول: منع لهم التزام الضيم والرضا بالدنية وفور عددهم، وذلك أن العزة في الكثرة. ويقال نتقت المرأة والناقة فهي تنتق نتوقاً، وهي كثرة الولد سرعة الحمل. وذكر العيال استعارةً في الأولاد، واحدها عيلٌ، يقال عنده كذا عيلاً. ويقال عيلٌ وعيايل، وهو معيلٌ معَّيلٌ، أي كثير العيال. وفاعيل أبى قوله " أنهم بنو ناتقٍ "، وأن يعرفوا في موضع وباقي الأبيات قد تقدم بتفسيره.