للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القلب، لا آفة به فيتورم جلده أو يتغير لونه، ولم يكن ممن ضيع شبابه في التودع وصلاح البدن، حتى كان يترك السفر واكتساب الأحدوثة بما يمتهن فيه النفس، ويتعرض من أجله للتلف.

ولكنه قد نازعته مجاوعٌ ... على أنه ذو مرةٍ صادق النهض

لكن المخففة استدراك بعد نفي، والمشددة وإن كان للتحقيق فيه معناه. فلما نفى عنه ما قدمه في البيت الذي قبله، استدرك على نفسه إثبات ما يتضمن هذا البيت له. ويروى ولكنه قد لوحته مخامصٌ، ومعنى لوحته غيرته، والمخامص: جمع مخمصةٍ، وهي خلاء البطن من الطعام جوعاً، وفي الحديث: تغد الطير خماصاً وتروح بطاناً. والمجاوع مثل المخامص. والخصال التي تحمل النفوس على الصبر على الجوع والخماصة مخامص ومجاوع. فيقول: كما انتفى عنه تلك الأوصاف الذميمة جاذبته في مساعيه ومتصرفاته لمباغيه الشريفة ومطالبه مجاوع أو مخامص، يريد خصالاً تجوع فيها النفس وتفطم فيها عن لذيذ الطعم؛ وهو ذو قوةٍ، إذا نهض في الأمور صدق فيها، ولم يكذب فعل من يأتي الشيء تعذيراً أو رياءً. وقوله صادق النهض جعل الصدق للنهض وإن كان الفعلان له ولذلك كان نكرةً تقديره: ذو مرة صادقٌ نهضته، وأصل النهوض البراح من الأرض، ومنه الناهض: الفرخ الذي وفر جناحاه فنهض للطيران.

[وقال عبدة بن الطبيب]

عليك سلام الله قيس بن عاصمٍ ... ورحمته ما شاء أن يترحما

حياه بقوله: عليك سلام الله ورحمته وهكذا تحية الموتى، بتقديم عليك، والمعنى: عليك من الله السلامة! وسلامته وقد مات، في توفر الرحمة عليه لذلك قال ما شاء أن يترحما، فاستدام له التحية بقوله: ما شاء أن يترحم؛ لأن الترحم من الله دائمٌ، لاتصال رحمته في خلقه، فكأنه قال: توفرت عليك الرحمة ما شاء

<<  <   >  >>