فلو أنها نفسٌ تموت سويةً ... ولكنها نفسٌ تساقط أنفسا
إذا رويت تساقط بضم التاء. ومثلهما وإن أغمض قول الهذلي:
مطأطأة لم ينبطوها وإنها ... ليرضى بها فراطها أم واحد
لأن المعنى أن الفراط لما حفروا القبر رضوا بأن يضعوا فيه واحداً، فإذا هم يدفنون بدفنه خلقاً كثيراً.
وصلح قوله ولكنه بنيان قوم تهدما في مقابلة فما كان قيس هلكه لمعناه الموافق له، وذلك أن البنيان وتهدمه لم يكن إلا لموت أربابه.
وقال هشامٌ أخو ذي الرمة
تعزيت عن أوفى بغيلان بعده ... عزاءً وجفن العين ملآن مترع
هشامٌ هذا فجع بأخيه أوفى، وأني عليه زمانٌ مقاسياً لآلام الفجيعة به، ثم أصيب بعده بغيلان - وهو ذو الرمة - فيقول: تسليت عن الرزيئة بأوفى أخي، بعد أن أصبت بغيلان عقيبه، وجفن عيني مملوء دمعاً، عزاءً. وانتصب عزاءً على المصدر، وهو موضوعٌ موضع التعزي، والفعل من العزاء عزى وعزي جميعاً، أي صبر. ويقال: هو حسن العزوة، أي العزاء، وبناء تعزى بناء تكلفٍ. والواو من قوله وجفن العين واو الحال، والعامل في موضع الجملة تعزيت. وفائدة اقتران هذه الحال بما قبله هو أن يتبين به ضعف العزاء المشار إليه؛ لأن العزاء المتكلف إذا صحبه البكاء لم يكن عزاءً في الحقيقة، ولا يمتنع أن يكون الجملة التي هي وجفن العين ملآن في موضع الصفة لعزاءً، لأنك إذا قلت رأيت رجلاً ومعه غلامه، معناه رجلاً بهذه الصفة، فكذلك يكون المراد عزاءً بهذه الصفة وهي أن يصحبه البكاء. ولا يجوز أن يكون العامل في موضع قوله وجفن العين عزاءً إذا جعلته حالاً؛ لأن