للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس له من الناس عاذر. ويجوز أن يرتفع (أن يعذر) بأنه خبر المبتدأ الذي هو حسن، وهذا أضعف الوجوه. ويروى: (إن توسعت موارده ضاقت عليك المصادر) وقوله (من سائر الناس) أي من باقي الناس، وهو من السؤر. ومن موضع الجميع فقد أخطأ.

[وقال العباس بن مرداس]

ترى الرجل النحيف فتزدربه ... وفي أثوابه أسد مزير

ويعجبك الطرير فتبتليه ... فيخلف ظنك الرجل الطرير

ينبه بهذا الكلام على أن الرجال ليسوا بجزر يطلب عظمها وسمنها، لأن المرء بأصغريه: قلبه ولسانه. فيقول: ترى الرجل النحيف المهزول الدقيق، فتستحقره لضؤولته، واذا فتشت عنه واستشفقت ما وراء ظاهره وجدته أسداً مزيراً. والمزير هو الجلد الخفيف النافذ في الأمور. ويروى: (يزير) وليس بجيد من طريق المعنى، فكأنه أصله يزئر فنقلت الحركة إلى الزاء وأبدل من الهمزة ياءً، كما يقال المراة والكماة، في المرأة والكمأة. وإنما ضعف من طريق المعنى لأن تشبيهه إياه بالأسد لا فائدة لذكر الزئير معه، إذ لاتدوم حاله على ذلك. ووجهه على ضعفه أن يكون مورد (يزئر) تأكيداً للتشبيه، كما يستعار صفة المشبه به للمشبه وإن كان حصوله لو حصل ذماً فيه، تأكيداً للتشبيه. على ذلك قوله:

أزل إن قيد وإن قاد نصب

والزلل من صفة الذئب. ومثله قول الآخر:

صكاء ذعبلة إذا استدبرتها

والصكك من صفة النعام.

<<  <   >  >>