للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله (فيعجبك الطرير) فالطرير: الشاب الناعم ذو الكدنة. فيقول: ويتفق في الرجال من يعجبك خلقته، فإذا بلوته وامتحنت أخلاقه وجدته لايصدق ظنك فيه، بل يخلف ويخالف في كل ما تعتمد عليه، أو تكله إليه.

فما عظم الرجال لهم بفخر ... ولكن فخرهم كرم وخير

ضعاف الطير أطولها جسوماً ... ولم تطل البزاة ولا الصقور

بغاث الطير أكثرها فراخاً ... وأم الصقر مقلات نزور

صرح عن الغرض المقصود فيما تقدم فقال: إنما يحمد من المرء كرمه وفضله وكثرة محاسنه وخيره، وكل ذلك يرجع إلى الأخلاق لا إلى الخلق، فلا اعتبار بالعظم، ولا فخر في البسطة إذا حصلت في الجسم خاصةً من دون العلم. ثم أخذ يمثل فقال: ترى الطير ضعافها كالكراكي وطيور الماء أطولهاجسوماً، وأمدها أعناقاً وسوقاً، ثم كرائمها كالبزاة والصقور، وهي تصيد ما وزنه يتضاعف على وزنها. وما طوله وعرضه يتزايد على طولها وعرضها، ثم بغائها وهي صغارها ومصطادها أكثر فراخاً وأوسع نسلاً، وأم الصقر قليلة الفراخ مقلات لايبقى لها أيضاً ما تفرخه. وانتصب (جسوماً) و (فراخاً) على التمييز. والمقلات: مفعال من القلت، وهو الهلاك. والنزور: القليلة الأولاد، من النزر، وهو القليل.

لقد عظم البعير بغير لب ... فلم يستغن بالعظم البعير

يصرفه الصبي لكل وجه ... ويحبسه على الخسف الجرير

وتضربه الوليدة بالهراوي ... فلا غير لديه ولا نكير

لما ضرب المثل بذوات الأجنحة والماشية على رجلين، عاد يذكر من ذوات الربع مثل ذلك فقال: ترى البعير مع عظمه وقوته، وصبره على النهوض بالأعباء الثقيلة، والأحمال العظيمة، لما لم يصحب عظمه اللب، وقوته التمييز، لم يستغن بما أعطي من ذلك، بل تراه مسخراً لأن يديره الصبي على وجه من وجوه التذ ليل، ةيحبسه زمامه على كل خسف وهضم، حتى أن الوليدة تضربه أوجع الضرب، فلا إنكار منه ولا ذهاب عنه، ولاتغيير إليه ولا نكير لديه.

<<  <   >  >>