للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله رمى بصدور العيس مخرق الصبا يريد أنه توجه في المفازة حيث تنخرق الريح، ورمى بصدور رواحله نحوها، فلم يعرف له بعد ذلك خبر ولا أثر. وقوله أين يمما موضع الجملة من الإعراب نصب على أنه مفعول لم يدر، كأنه قال: لم يدر خلق ما يقتضي هذا السؤال. وهذا الكلام نهاية فيما يثيره الجزع من المشفق القلق، ويدور في شكوى المتوله الحدب، لأنه إذا لم يمكنه الرجوع إلى شيء بعد جولة الوداع والافتراق، إلا إلى صدمة اليأس والاكتئاب، فذاك أجلب للوادع الرزيئة، وأجمع لبوارح الشكية.

وقوله فيا جازي الفتيان بالنعم اجزه دعاء له، والمعنى أحسن إليه بدل إحسانه إلى خلقك، وجزاء على إنعامه في عبادك، وتجاوز عن سيئاته فيما كان فيه ظالماً، وعن الحق والنصف عادلاً. وقوله كان أظلما أي كان ظالما. وأفعل بمعنى فاعل جاء كثيراً. ومثله:

فتلك سبيل لست فيها بأوحد

وجعل في الثاني شرطاً لأنه قال واعف إن كان وفي الأول لم يأت بمثله ليدل على سلامة طريقته من الجور والاهتضام، وبراءة ساحته في غالب ظنه مما يستحق به العقاب والانتقام. الكلام وإن كان فيه دعاء فهو تحسر وتوجع. وإنما قلت هذا لأن استعمال الدعاء بعقب ما ذكر طريق في إظهار الخيبة لا يكاد يعفيها تعاور الأحوال بالسلوة، ولا يحول عن سلوكها تعاقب الأرمان بالمساءة والمسرة.

[وقال شبيب بن عوانة]

لتبك النساء المعولات بعولة ... أبا حجر قامت عليه النوائح

عقيلة دلاه للحد ضريحه ... وأثوابه يبرقن والخمس مائح

خدب يضيق السرج عنه كأنما ... يمد ركابيه من الطول ماتح

لتبك النساء أمر من فعل يدل على الحال. ألا ترى أنه وصف النساء المأمورات بأنهن معولات. والأمر وإن كان في الأكثر يبنى على المستقبل يصح أن يبنى على ما

<<  <   >  >>