للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المصدر، وقد وضعه موضع الإبقاء. ومثله:

كفى بالنأي من أسماء كاف

وضع كاف موضع كفاية، وهو مصدر منصوب، لكنه حذف فتحة الإعراب من آخره وإن كانت الفتحة مستخفة، على طريقة من قال:

أن أيديهن بالقاع القرق

وقال:

وأي فتى ودعت يوم طويلع ... عشية سلمنا عليه وسلما

رمى بصور العيس منخرق الصبا ... فلم يدر خلق بعدها أين يمما

فيا جازي الفتيان بالنعم اجزه ... بنعماه نعمى واعف إن كان أظلما

انتصب " أي " بودعت، والكلام فيه تعجب على طريق التفخيم للشأن، والتعظيم للأمر. وانتصب عشية على البدل من يوم، والمعنى: ما أجل شأن فتى ودعناه عشية شيعناه من يوم طويلع، وقضينا فيما بيننا وبينه بعد حق التوديع، بأن سلمنا عليه وسلم هو علينا، أي قلنا: أصحبك الله السلامة، وحفظك حيث كنت! وقال لنا مثل ذلك. وهذا كأنه كان تثنية للوداع حينئذ، وتذكرة من بعد من الشاعر. وإرسال القول فيه تحسر وتوجع. وقوله وسلما يريد وسلم علينا، فحذف علينا ويجوز أن يكون أراد بودعت الوداع الذي لا تلاقي بعده. ألا ترى أنه يقال للمفارق: غير مودع! أي جعل الله بعده التقاء. وقد كشف عن هذا المعنى طرفة حيث يقول:

قفي ودعينا اليوم يا ابنة مالك ... وعوجي علينا من صدور جمالك

قفي لا يكن هذا تعلة ساعة ... لبين ولا ذا حظنا من نوالك

فإذا جعلت ودعت على هذا، انفصل معناه عن معنى سلمنا عليه وسلما. وهذا ظاهر.

<<  <   >  >>