للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضاً:

فتى كان فيه ما يسر صديقه ... على أن فيه ما يسوء الأعاديا

فتى كملت خيراته غير أنه ... جواد فلا يبقى من المال باقيا

لما قال: كان فيه ما يسر صديقه وعلم أن في الناس من يجمع الخير خالصاً من دون الشر خشي أنه إن سكت على هذه الجملة ظن به القصور عن التمام، والوقوف دون الكمال، فلا يكون فيه النكاية في الأعداء والإساءة إليهم، وإذلالهم وإرغامهم. ثم وصفه بأن قال على أن فيه ما يسوء الأعاديا وهذا هو النهاية في الكمال؛ لأنه إذا عرف لأوليائه ما يوجب عليه التوفر عليهم، وجميل التفقد لهم، وعرف لأعدائه ما يوجب التنقص منهم وإذلالهم، كان في ذلك أكمل الكمال.

وقوله فتى كملت خيراته غير أنه جواد هذا استثناء في نهاية الحسن، فهو كالتأكيد لأول الكلام؛ لأن كونه جواداً لا يكون عيباً فيخرجه من قوله كملت خيراته، لكنه إذا كان عيبه المستثنى من الخيرات الجود الذي هو مؤثر عند الله تعالى وعند الناس، فخصاله المحمودة الباقية ماذا ترى تكون. فهو استثناء منقطع من الأول، كأنه قال: كملت خيراته لكنه جواد. وإذا تأملت وجدت البيت الثاني مثل البيت الأول، في أنه أتبع ثناء بثناء، وأردف مديحاً بمديح، فعجز كل واحد منهما يؤكد صدره، ويزيده مبالغة معنى وتظاهر مبدأ ومنتهى. ومثلهما بيت النابغة:

ولا عيب فيهم غير أن يسوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب

وموضع قوله فتى في البيتين جميعا نصب على الاختصاص، كأنه قال أذكر فتى هذه صفته. ولا يمتنع أن يكون موضعه رفعاً على أن يكون خبر مبتدأ محذوف. فإن قيل: ما موضع على أن فيه ما يسوء الأعاديا من الإعراب؟ قلت: هو يجري وإن كان جمعاً بين صفتين متضادتين على أن الثانية كالحال للأولى، كأنه قال: فيه ما يسر صديقه مركبا على ما يسوء الأعاديا. وقوله فما يبقى من المال باقيا تأكيد للجود. وانتصاب باقيا يجوز أن يكون على المفعول، ويجوز أن يكون على

<<  <   >  >>