للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتى كان يعطي السيف في الروع حقه ... إذا ثوب الداعي وتشقى به الجزر

فتى كان يدينه الغنى من صديقه ... إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر

يريد أن المرثي كان إذا حضر الوغى تصور السيف عليه حقاً، فجاهد نفسه في توفير ذلك الحق عليه إذا أعاد الداعي وكرر: يال فلان!! مراراً. والتثويب في الآذان معروف. وقوله (وتشقى به الجزر) يريد وقت نزول الأضياف، وأنه كان لا يرضيه أقرب المنازل في نزل الضيف، بل كان يرتقى إلى أعلاها.

وهذا المعنى قد مضى قريباً، وكذلك البيت الثاني قد مضى مثله. ومعنى يدينه الغنى من صديقه أنه كان يعد التفرد بالغنى لؤماً، وكان يشرك أصدقائه فيه، كما يعد في حال الإضافة والفقر ملابسة الأصدقاء كالتعرض لخيرهم، فيبتعد عنهم.

[وقالت عمرة الخثعمية، ترثي ابنيها]

لقد زعموا أني جزعت عليهما ... وهل جزع أن قلت: وا بأباهما

الزعم يستعمل كثيراً فيما لا حقيقة له، لذلك قالت فيما حكمت عن القوم: زعموا. كأنها لما استشرف الناس جزعها وهلعها، فتذاكروا أمرها فيما بينهم أظهرت الانكار والتكذيب فيما توهموه، فقالت: وهل جزع أن قلت وأباباهما، من التوجع لهما على قدر القائل: وأباباهما. ولفظة (وا) تألم وتشك، وهي حرف للندبة. و (بأباهما) أرادت: بأبي هما، ففر من الكسرة وبعدها ياء إلى الفتحة فانقلبت ألفاً. على ذلك قولهم: باداة وناصاة، في بادية وناصية. وقولها (وهل جزع) ارتفع جزع على أنه خبر مقدم، (وأن قلت) في موضع المبتدأ، وبأبا خبره. هذا على طريقة سيبويه، وعلى مذهب الأخفش يرتفع بالظرف. ورواه بعضهم: (بأناهما) ، أي أفديهما بنفسي وأنا هو ضمير المرفوع، وقد وقع موقع المجرور، وكقولهم: هو كأنا، وأنا كهو.

<<  <   >  >>