للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعنهم. وقوله إلا أن سيدكم إلا بمعنى غير، فهو منقطع مما قبله. وهذا الاستثناء من المعنى، كأنه قال: سلمتم إلا أن سيدكمم أسلمتم.

وقولها أنعى فتى لم تذر الشمس طالعة انتصب طالعة على الحال المؤكد لما قبله. والكوفيون يقولون في مثله: انتصب على القطع. وكما أن الحال يجيء مؤكداً لما قبله تجيء الصفة أيضاً مؤكدة لما قبلها. ومثال الحال: رأيته في الحمام عرياناً، فعريان حال مؤكدة. ومثال الصفة أن تقول: فعلت كذا أمس الدابر. وذرور الشمس: انتشارها في الجو. والمعنى: أذكر موت فتى لم تطلع الشمس يوماً من أيام الدهر عليه إلا وهو ضار لأعدائه ناك فيهم، أو نافع لأوليائه مسد إليهم. وفي هذا ذهب إلى مثل ما قاله عدي:

إذا أنت لم تنفع بودك أهله ... ولم تنك بالبوس عدوك فابعد

[وقالت امرأة من بني أسد]

خليلي عوجاً إنها حاجة لنا ... على قبر أهبان سقته الرواعد

تخاطب صاحبين لها تسألهما التعرج على قبر أهبان زائرين له، ومجدين العهد به. وقوله سقته الرواعد دعاء للقبر بالسقيا. والرواعد: السحاب التي فيها الرعد. وقولها إنا حاجة لنا حشو واعتراض، وقد وقع موقعاً حسناً، وفيه استعطاف للمخاطبين واستلطاف فيما تكلفهما. ويقال: ما عند فلان تعويج عليهم، أي تعريج. وعجنا بالمكان أشد العياج والعوج، أي عطفنا.

فثم الفتى كل الفتى كان بينه ... وبين المزجى نفنف متباعد

قولها كل الفتى مفيد للتأكيد، وجامع أسباب الفتوة كلها للموصوف، فكأنها قالت: ثم الفتى التام الفتوة حتى لم يغادر شيئاً من علائقها وأسبابها. وقولها كان بينه وبين المزجى، والمزجى: الضعيف، كأنه يزجى الوقت في الاعتداد به بين الفتيان. ويجوز أن يكون سمى الضعيف مزجى لتأخره وحاجتهم إلى تزجيته واستحثاثه فيما يعن. وهذا كما قيل المركب في الضعيف الفروسية. والنفنف: المهواة بين الجبلين، والأرض بين الأرضين. وهذا كما يقال: بين هذا وبين كذا بون بعيد.

<<  <   >  >>