والنجوى مصدر، ويستعمل وصفاً فيقع على الواحد والجمع، وقد مضى القول فيه.
[وقال المتوكل الليثي]
مدحت سعيداً واصطفيت ابن خالدٍ ... وللخير أشبابٌ بها يتوسم
فكنت كمجتسٍ بمحفاره الثرى ... فصادف عين الماء إذ يترسم
يقول: اخترت من بين الناس ابن خالد وقرظت في شعري سعيداً، وللخير حدودٌ ووجوهٌ بها يتبين رسمه وعلامته، فكنت في اصطفائي إياهما، وصرفي ثنائي إليهما، كرجلٍ يتطلب الماء بمحفاره من ثرى الأرض، فصادف عينه ومنبعه، إذ تتبع أثره ورسمه. والمعنى: أصبت في القصد والاختيار، ووضعت الثناء موضعه من الإيثار، فسيق الخير إلي من مطلبي، وحصل التوفر علي من مقصدي. فأما من روى " محتسٍ " فهو مفتعل من الحس. والمحفار: اسم الآلة التي يحفر بها، كالمعول وما أشبهه. وهذا مثل واستعارة. ومن روى " كمجتسٍ " بالجيم، فهو مفتعلٌ من الجس. والتحسس والتجسس يتقاربان. ومعنى يترسم: يتتبع رسومه.
فإن يسأل الله الشهور شهادةً ... تنبئ جمادى عنكم والمحرم
بأنكما خير الحجاز وأهله ... إذا جعل المعطي يمل ويسأم
يصف دوام بذلهم في فصول السنة، واتصال جدواهم في شهور الضيق والسعة، وفي الجدب والخصب، وعند شمول الحر والبرد. وجمادى من أزمان القحط والضر، والمحرم من الأشهر الحرم، فيقول: إن استشهد الله تعالى أوقات السنة وأهلة الشهور شهدت لكم، وأخبرت عنكم بأنكما خير أهل الحجاز بذلاً وإفضالاً، وحسن تفقد وإحساناً، في الوقت الذي ترى المعطي يمل الإعطاء، ويتبرم بالسؤال، فيصير ذلك داعيةً له إلى الإمساك والكف.