من النوى، وأزعجه ما عزم عليه من شق عصا الهوى، وأراد إسعادي على البكاء فليحضرني غداً، فإنه اليوم الموعود، والمشهد المشهود. وقوله فليت غذاً يوم سواه وما بقى، يقول: بودي أن يكون بدل يوم غد يوم آخر غيره، تفادياً مما يجرى ويحدث، وليت بدل الليلة الحائلة دائماً. وما بقي لغة طيء، كأنهم فروا من الكسرة وبعدها ياء إلى الفتحة فانقلبت الياء الفاً.
وقوله لتبك غرانيق الشباب، فالغرانيق جمع، واحدها غرانق. وقال الخليل: يقال: شباب غرانق. وأنشد:
ألا إن تطلاب الصبا منك زلة ... وقد فات ريعان الشباب الغرانق
وقال أيضاً: الغرنوق: الشاب الأبيض الجميل، والجمع غرانيق. ومراد الشاعر: لتبك من استصلح للصبا من الشبان وأرباب الهوى، فإن غدا فيما أظن أو أتيقن يوم مواعدة الحي بالزيال. وانتصب سرمدا على الظروف، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف، كأنه قال: حبساُ سرمدا.
[وقال زياد بن حمل، وقيل زياد بن منقذ]
حبذا انت يا صنعاء من بلد ... ولا شعوب هوى مني ولا نقم
ولن أحب بلاداً قد رأيت بها ... علماً ولا بلداً حلت به قدم
صنعاء: مدينة اليمن. وشعوب ونقم: موضعان باليمن. وعنس وقدم: حيان من اليمن. وقوله لا أحبذا أنت، ذا اشير به إلى لفظة الشيء، والتقدير: لا محبوب في الأشياء أنت يا صنعاء من بين البلاد، وكما أنت لست بمحبوب إلي، فكذلك شعوب ونقم ليسا بهوى مني، أي لا أهواهما ولا أحن أليهما. وقوله ولن أحب بلاداً، يريد: ولن أحب أيضاً منازل هذين الحيين. كأنه كره المواضع بأهلها فاجتواها وذمها. وقوله بلاداً قد رأيت بها عنساً، ضم إلى لفظة بلاد من الصفة ما يخصصها.