كنا كغصنين في جرثومةٍ سمقا ... حيناً بأحسن ما تسمو له الشجر
حتى إذا قيل قد طالت فروعهما ... فطاب فيئاهما واستنظر الثمر
قوله سمقا أي طالا في كمال. والجرثومة: الأصل فيقول: كنا كفننين خرجا من أصلٍ واحد فنميا وطالا، واستكملا زماناً، وبقيا يزدادان على أحسن ما تزداد له الأشجار، حتى إذا فرعا، وآتت أغصانهما وبرعا، وكثر ورقهما، واستطيب ظلهما، وصارا ينتظر ثمرهما، وقف الأمر بهما دون الغاية المرجوة فيهما، ودعى أحدهما مقدما على الآخر للمحتوم لهما. والفرع من كل شيءٍ: ما تفرع منه في أعلاه. الفيء من الظل: ما فاء من جانبٍ إلى جانب. ومعنى استنظر انتظر. ورواه بعضهم: واستنضر الثمر، أي وجد ناضراً غضاً. والأول أحسن.
أخنى على واحدٍ ريب الزمان وما ... يبقي الزمان على شيءٍ وما يذر
كنا كأنجم ليلٍ بينها قمرٌ ... يجلو الدجى فهوى من بينها القمر
قوله أخنى جواب إذا من قوله حتى إذا قيل قد طالت فروعهما، وقوله وما يبقى الزمان اعتراض حصل بين ما قبله وما بعده من القصة، مؤكدٌ له. فيقول: لما بلغ الأمر بنا ذلك المبلغ أناخ حدثان الدهر على أحدهما فأتلفه وأفسده، والزمان هذا دأبه، لا يسلم عليه شيءٌ، بل يرتجع كما يعطى، ويسلب كما يهب.
ثم قال: كنا كأنجم ليلٍ بينها قمرٌ، وهذا تشبيه ثانٍ، كأنها في الأول وهو كنا كغصنين شبهت نفسها وصاحبها بغصنين، وفي الثني شبهت العشيرة كلها والمتوفي فيها، بنحوم ليلٍ أحدقت بقمرٍ استضاء ظلامه الليل بنوره فسقط ذلك القمر من وسطها فعاد الليل كما كان.
وهذا الكلام فيه تفضيلٌ للمتوفي على ذويه كلهم، فإنهم كانوا يستكشفون ظلمة حوادث الدهر من جهته ومكانه، فلما فارقهم عاد الشر جذعاً، والضياء حندسا.