وقوله ولئن تعهدك البلاء بنفسه أفاد قوله بنفسه إكبار الأمر وتفظيع الشأن في موته وفقدانه، كأن البلاء لم يرض في الذهاب به بان يعتمد على نائبيه ورسله، بل جاءه بنفسه. وقوله إن الكريم ليبتلى تسلية. ومعنى تعهدك أي نظر هل أنت على ما عهدك ليرى فيك رأيه. وفي الكلام إلمامٌ بقول الآخر:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفى ... عقيلة مال الفاحش المتشدد
ويعني بالبلاء الموت، وقد يكون في غير هذا الموضع النعمة والاختبار. ومنه قوله تعالى:" ليبتلي الله "، أي يمتحن. وقوله لئن اللام موطئة للقسم، وهو مضمر وجوابه إن الكريم ليبتلى.
وأرى رجالاً ينهسونك بعدما ... أغنيتهم من فاقةٍ كل الغنى
لو أن خيرك كان شراً كله ... عند الذين عدوا عليك لما عدا
معنى ينهسونك يغتابونك، وأصل النهس في العظم إذا عرق ما عليه من اللحم. وانتصب كل الغنى على المصدر، ووضع الغنى موضع الإغناء على عادتهم في وضع الاسم موضع المصدر. والمعنى: أرى من أحسنت إليه وأنعشته وبعد الفاقة أغنيته، يتنقصك ويغتابك، سوء محافظةٍ منهم، ولدناءة أصلهم ولؤم عرقهم.
ثم قال: لو أن خيرك عندهم كان كله شراً لما جاوز فعلهم بك، ومكافأتهم لك، ما نراه. ومعنى عدوا عليك ظلموك. ومعنى لما عدا لما جاوز ويقال عدا عليه عدوا وعدواً وعداءً وعدواناً. وارتفع كله على التوكيد للمضمر في كان، ويجوز أن يكون اسم كان. وفي قوله لما عدا ضمير للشر، ومفعوله محذوف، كأنه قال: لما جاوز الشر، أي جزاء الشر، ما يأتونه في نقيصتك والوضع منك. والكلام تحسرٌ وتشكٍ من متحملي صنائع المفقد. وذمٌ للدهر وأهله.