وما أنس ملى أشياء لا أنس قولها ... وأدمعها يذرين حشوالمكاحل
تمتع بذا اليوم القصير فإنه ... رهين بأيام الشهور الأطاول
انجزم أنس بما، وما موضعه نصب على المفعول من أنس. والمعنى: إن أنس شيئاً من الأشياء لا أنس قولها. فلا أنس أنجزم على انه جواب الشرط وقوله مل أشياء أصله من الأشياء، وجعل الحذف بدلاً من الإدغام لما تعذر إتيانه في المتقاربين، وقد مر مثله مستقصي. وقوله يذرين يريد يسقطن حشو المكاحل. أراد كحلاء، فكان الدمع حين ذرف صحبه الكحل.
وقوله تمتع بذا اليوم القصير، موضعه من الإعراب نصب على أنه مفعول من قولها، أي لا أنسى قولها، وقد شافهنا الفراق من يوم التوديع والتشييع وهي تبكي: تمتع بيومك القصير لكون يوم اجتماع، فإنه مرتهنمن الشهور الطويلة، لكونها أيام التباين؛ أي مثل هذا اليوم لا يفك من الارتهان، ولا يحصل بعد تلك الأيام المستطالة.
[وقال محمد بن بشير]
بيضاء آنسة الحديث كأنها ... قمر توسط جنح ليل مبرد
موسومة بالحسن ذات حواسد ... إن الحسان مظنة للحسد
وترى مدامعها ترقرق مقلة ... سوداء ترغب عن سواد الإئمد
وصف المرأة بإشراق اللون. ومعنى آنسة ذات أنس، لأن الحديث يؤنس ولا يأنس، كقولهم: هم ناصب، والمراد منصب. ثم شبهها بقمر توسط السماء فيما جنح من ليل كان فيه غيم وبرد. والقمر إذا خرج من حلك الغمام في ليلة مطيرة كان أضوأ وأحسن. ويجوز أن يكون قوله ليل مبرد، يراد به ليل ذو برد أو برد، ويكون من باب أشملنا، أي دخلنا في الشمال، وأشتينا، أي دخلنا في الشتاء. ويقال: بردت