قوله وأبغض إلى بإتيانها استعير فيه بناء الأمر للخبر، لأن معناه التعجب والتعجب خبرٌ، وهم يستعيرون المباني للمعاني، كما يستعيرون الجمل والمفردات. وهذا كما يستعار بناء الخبر للأمر كقوله: والمطلقات يتربصن ". وموضع بإتيانها رفعٌ على أنه فاعلٌ، كأنه قال بغض إتيانها إلي جداً. يقول: ما أبغض إتيان عقبة الهجاء واطلاعها إلي، لأني أربأ بنفسي عنه وقدري، وأصون منه ديني وعرضي، وأتناسى فعل ذلك فلا يكون من همي. ولو لم أتركها تأثماً وتكرماً ثم أراد مناقضتك ومقاذعتك، لكان ما تعاقدنا عله من تركه يدفعني عنه، ويمنعني منه. فإذا ظرفٌ لقوله أدفع.
وقال بعض اللصوص من طيئٍ
ولما أن رأيت ابني شميطٍ ... بسكة طيئٍ والباب دوني
تجللت العصا وعلمت أني ... رهين مخيسٍ إن أدركوني
الشعر لبعض المتلصصة، وكان أنهى حاله إلى أمير المؤمنين على عليه السلام وهو بالكوفة، فوجه في طلبه ابنى شميط، فأحس بذلك وركب فرسه العصا فنجابه، وذكر قصته في هذه الأبيات. وقوله والباب دوني يعني باب البلد والمسالح. وقوله تجللت العصا جواب لما، أي ركبته على جله ومل أتلوم لإسراجه، خوفاً على نفسي، وعلماً أني إن توقفت أو دعي السجن مرتهناً بما كسبت يدي. ومخيسٌ: اسم سجنٍ بناه أمير المؤمنين عليه السلام. والتخييس: التذليل، أصله في الكد.