للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يلتبس من الكلام. وعلى هذا قول الآخر:

كما اسلمت وحشيةٌ وهقا

لأن الوهق يسلم الوحشية. ويمكن أن يقال: إذا تعدى أحد الشيئين صاحبه فقد صار الآخر كأنه تعداه، وإذا كان كذلك ساغ لأن يجعل لكل واحد منهما المجاوزة.

علائق من حسبٍ داخلٍ ... مع الإل والنسب الأرفع

وأن ثنية رأس الهجا ... ء بين وبينك لا تطلع

هذا تفسير الخصال الأربع التي أجملها. والعلائق، جمع علاقة، وهو ما يتعلق به من الشيء أو يعلق به الشيء. وقوله من حسبٍ داخل مع الإل، فالحسب: الشرف. والإل: العهد. ومعنى داخلٍ معه، أي مختلطٌ به. والنسب الأرفع يجوز أن يكون يعني به النسب من قبل الأب، لأنه أرفع النسبين، ويجوز أن يعنى النسب الرفع العلي. وقد حصل إلى هذه الغاية من العلائق الثلاثٌ: حسبٌ، ونسبٌ، وعهدٌ بينهما، والعلاقة الباقية هي مذكورةٌ في البيت الذي يليه، وهو قوله:

وأن ثنية رأس الهجا ... ء بيني وبينك لا تطلع

كأنهما كانا تعاقدا أن لا يهجو أحدهما صاحبه، لا يذكره في الشعر ناحتاً أثلته. وجعل لرأس الهجاء عقبةً تثنى بشقتها من يريد قطعها. ويقال طلع الثنية واطلعها، إذا أشرف عليها. فإن قيل: وما الفصل بين الحسب؟ قلت: إن الحسب ما يعد من الخصال الكريمة، وترى الحسيب يوجب للحسيب ويعرف له بحسبه محلاً وقدراً، وإن لم يكن بينهما قربى ولا قرابةٌ. والنسب يريد به الرحم والقرابة. فإن قيل: فما معنى الإل، وما الفرق بينه وبين الخصلة الرابعة، وهي التعاقد على ترحك الهجاء واطراحه؟ قلت: الإل: العهد، بذلك فسره أبو عبيدة في قوله تعالى: " لا يرقبون في مؤمنٍ إلا ولا ذمةً ". كأنهما كانا تواثقا على أن لا يدبر كل واحدٍ منهما على صاحبه، ولا يسعى في نصب المكايد له فهذا ميثاقٌ بينهما ثم اتفقا أيضاً على أن لا يتهاجيا. وإذا كان كذلك فالفصل بين الأمرين ظاهر، كما ظهر بين الحسب والنسب.

<<  <   >  >>