مشيراً به إلى الصعلوك. فصار إن يلق خبراً عنه. وساغ ذلك لأن المراد بالأول والثاني شيءٌ واحد، ومما أجرى هذا المجرى لحصول مثل هذا التراخي فيه قول الله عز وجل:" ألم تعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فإن له نار جهنم "، فأعاد أن في قوله " فأن " كما ترى.
؟ وقال عنترة بن شدادٍ العبسي
تركت بني الهجيم لهم دوارٌ ... إذا تمضى جماعتهم تعود
البيت يروى على وجهين: أحدهما:
تركت بني الهجيم له دواراً ... إذا يمضي جماعتهم يعود
ويكون الضمير في قوله له للفرس، ويمضي فعلٌ له، وجماعتهم ينتصب على المفعول، لأن يمضي هذا يتعدى، ومعناه يجاوزهم. ويكون المعنى: تركت هؤلاء القوم لفرس مطافاً بمنزلة الدوار وهم ضمٌ كانوا يحجونه يطوف حول ذلك الضم، إذا نفذهم وخرق صفوفهم ودار عليهم عاد إلى مثل فعله الأول، وإلى مكانه الأول. ويشبه هذا البيت بيت الأعشى في المعنى واللفظ، وهو:
تطوف عليهم وتمضيهم ... كما طاف بالرجمة المرتجم
وجاء في الحديث حجةً لتعدي يمضي، في صفة المحشر:" يمضيهم الداعي وينفذهم البصر ".
والثاني أن يروى:
تركت بني الهجيم لهم دوارٌ ... إذا تمضي جماعتهم تعود
والمعنى: تركتهم يطوفون حول قتلاهم كما يطاف على ذلك الصنم، أو ذلك النسك، فإذا انقضت جماعةٌ منهم عادت الأخرى للنظارة. وقوله " جماعتهم " يريد جماعةٌ منهم، فأضاف البعض إلى الكل، وليس يريد جملتهم، فهو في حكم النكرات. وموضع " لهم دوارٌ " نصبٌ على الحال، وقوله " تعود " فاعله مضمر، وهو جماعةٌ أخرى، فاكتفى بذكر الأولى عنها.