يفتخر بأنه أصاب المذكور، لما رماه بسهمٍ محكم النصل، مقوم القدح، صلب العير، سديد الوقع. وموضع قوله " فيه شديد العير " نصب على الحال. والعير: الناتئ من وسد النصل. وقد أقيم الصفة مقام الموصوف، لأن المراد به سهمٌ شديد العير. ولولا ما حصل من الاختصاص بإضافة الشديد إلى العير لما جاز ذلك فيه، لأن الصفة لا يقوم مقام الموصوف حتى يدل عليه دلالةً قويةً. فأما إذا كانت عامةً في أجناس، فلا يجوز ذلك فيه. لو قلت مررت بطويلٍ، وأنت تريد رجلاً، لم يحسن، لأن الطويل يكون في غير الرجال كما يكون في الرجال. ولو قلت مررت بكاتبٍ، يحسن إذ كانت الكتابة مختصة.
فإن يبرأ فلم أنفث عليه ... وإن يفقد فحق له الفقود
كان من رموزهم أن الواحد إذا رمى بسهمٍ وأراد سلامة الرمية منه رقى سهمه بعودة ونفث فيه، ثم رمى به، وإذا أراد هلاكه لم يفعل ذلك. ومثل هذا قول الآخر:
فلم أرقه إن ينتج منها وإن يمت ... فرمية لا غسٍ ولا بمغمر
وقوله " فحق له الفقود " المبتدأ محذوف، كأنه قال فهو حقٌ له الفقود، لأن الفاء يجلب في الجزاء إذا كان الجواب بالابتداء والخبر، ولو قصد إلى أن يكون الفعل جواباً لا يستغنى عن الفاء. وبعض من يدفع هذه الطريقة يقول لا رقية ولانفث، إنما كنوا عن الإبقاء بمثل هذا الكلام. وقوله:" وإن يفقد " فهو مثل قوله " فطعنة لا غسٍ ". والمعنى: إن يبرأ فليس ذلك من بقياى، وإن يهلك فواجبٌ لأن المصاب بمثله يهلك لا محالة.
وما يدري جرية أن نبلي ... يكون جفيرها البطل النجيد
يروى:" وهل يدري جرية ". والمعنى لا يعلم أنه كما أتى أصبته فدأبي وعادتي أن تكون الأبطال النجداء لنبلي بمنزلة الجعبة، أصيبهم أبداً بها. وفي ذكره البطل