ألا ليت شعري هل يقولن فوارسٌ ... وقد حان منهم يوم ذاك قفول
قوله " شعري " اسم ليت، وخبره مضمرٌ استغني عنه بمفعول شعري. وليت شعري لا يجيء إلا هكذا، كما أن لولا يجيء أبداً محذوف خبر المبتدأ الذي بعده، وقد استغني عنه بجوابه، وذلك كقولك لولا عبد الله لفعلت. وقوله " هل يقولن فوارسٌ " سد مسد مفعول ليت شعري. ومعنى الكلام ليت علمي واقعٌ: هل يقع هذا القول من الفرسان في تلك الحال؟ ومفعول " يقولن " أول البيت الثاني، وهو قوله " تركنا "، واعترض بينهما قوله " وقد حان منهم يوم ذاك فقول "، وموضعه نصبٌ على الحال، والذي تمنى علمه أنه هل يقتل، فإذا انصرف الأبطال عنه قالوا هذا القول أولاً. وتحقيق الكلام: ليتني علمت ما يقتضي هذا السؤال من الجواب، لأن ذاك يهمه لا نفس السؤال. وقوله: وقد حان منهم قفولٌ، أي رجوعٌ عن المعركة إلى ديارهم وحيهم، كأنه كان هم بالاستقبال، ووطن نفسه من مصادمة العدو، ومصادمة القتال على ما غلب اليأس من الانصراف عنهم، لتعرضه لما لا يسلم معه من يلابسه، فتكلم بذلك. وقوله " يوم ذاك " إشارةٌ إلى يوم ملاقاة الأعداء. فإن قيل: هل تقدر في الكلام بعد الاستفهام شيئاً لأنك إذا استفهمت عن شيءٍ كان ما تستفهم عنه وخلافه سواء عندك، وإلا الم تكن مستفهماً؟ قلت: معنى الاستفهام هل يقولن فوارسٌ كذا، وهل زيدٌ عندك، على " أو " أو " أم " ولولا ذلك لامتنع الاستفهام. وسنشرح الكلام فيما يقتضيه هذا الموضع في البيت الذي بعده.
تركنا ولم يجنن من الطير لحمه ... أبا الأبيض العبسي وهو قتيل
يقول: ليتني علمت هل يقولون في منصرفهم تركنا أبا الأبيض مصروعاً متروكاً بالعراء، تعفوه سباع الطير وتأكل من لحمه، غير مستورٍ عنها ولا ممنوعٍ منها. وقد اعترض بين تركنا ومفعوله وهو أبو الأبيض بقوله " ولم يجنن من الطير لحمه "، وموضعه نصبٌ على الحال. فإن قيل: فما المقدر بعد الاستفهام هنا من