والإفال والأبكر لا تؤخذان في الدية، ولكن حقر أمرها. وقوله: ولولا الأسى ما عشت في الناس بعده يريد لولا التصبر والتأسي والاقتداء بهم في المصائب، لقتلت نفسي ولم أعش بعده - يعني بعد أوسٍ - في الناس، ولكن متى شئت وجدت لنفسي نظائر ممن فقدوا أعزتهم. ويشبه هذا قول الخنساء:
ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي
وقوله ما عشت في الناس بعده جواب لولا، ونابت عن خبر المبتدأ وهو الأسى، كأنه قال: لولا الأسى مانعٌ لي ما عشت في الناس بعده. وقد تقدم القول في لولا، وفيما يقع فيه.
وقال البراء بن ربعيٍ الفقعسي
أبعد بني أمي الذين تتابعوا ... أرجي الحياة أم من الموت أجزع
قوله أبعد لفظه لفظ الاستفهام، والمعنى معنى التوجع. والاستفهام يطلب الفعل. فيقول: أرجي الحياة أم أجزع من الموت بعد إخواني الذين انقرضوا وذهب والواحد في إثر الواحد فدرجوا. والمعنى: ماذا يجوز أن يكون مني: أيحسن الطمع في الحياة بعدهم، أم الجزع من الموت عقب الفجع بهم. وأم هذه يجوز أن يكون أو بدلها، لأنها المنقطعة. ألا ترى أن التي تكون عديلة الألف في العطف من شرطها أن يكون أحد الأمرين اللذين يسأل عنهما المستفهم قد وقع عنده إلا أنه لا يدري أيهما هو. يقول القائل: أرأيت زيداً أم عمراً، وهو لا يشك أن أحدهما رآه، إلا أنه لا يدري أيهما هو. والذي في البيت ليس كذلك فتأمله.
ثمانيةٌ كانوا ذؤابة قومهم ... بهم كنت أعطي ما أشاء وأمنع
أولئك إهوان الصفاء رزيتهم ... وما الكف إلا إصبعٌ ثم إصبع
ذكر أن إخوانه كانوا ثمانيةً، وأنهم كانوا رؤساء قومهم، وأنه بعزهم ومكانهم من قبيلتهم كان يدفع عن نفسه ما يشاء، ويقبل لها ما يشاء. وفي قوله كنت أعطي ما أشاء حذفٌ، ولو أتي على حده لكان: كنت أعطي ما أشاء إعطاءه وأمنع ما أشاء