للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مسمع ما يروى عنه، ومنظره فيما يشاهد منه. وقوله (ويعلم أنه سيلحق بالموتى) يقول: تيقن أن الخلود لا مطمع فيه، فإن الذي له من المال ما يقدمه لمثوبة، وادخاراً لأكرومة، إذا تحدث عنه بها كان ذكره حياً وإن الشخص فينا مغيباً.

[وقال الضبي]

أأبى لا تبعد وليس بخالد ... حي ومن تصب المنون بعيد

أأبى إن تصبح رهين قرارة ... زلج الجوانب قعرها ملحود

فلرب مكروب كررت وراءه ... فمنعته وبنو أبيه شهود

أنفاً ومحمية وأنك ذائد ... إذ لا يكاد أخو الحفاظ يذود

ولرب ءان قد فككت وسائل ... أعطيته فغدا وأنت حميد

يثنى عليك وأنت أهل ثنائه ... ولديك إما يستردك مزيد

البيت الأول يشتمل على أنواع ثلاثة من الكلام: فقوله (لا تبعد) ما يندب به الموتى على إظهار الفاقة إلى حياته، وقد مر القول فيه. وقوله (وليس بخالد حي) تسل وإيمان بمحتوم القدر، وأن ذلك يوجب على المصاب الصبر والائتساء بفرق الخلق. وقوله (ومن تصب المنون بعيد) تبرو من الجري على عادة الناس في المصائب واعتراف بأن الموت يبعد الالتقاء بين الأحياء والأموات، فلا تزاور ولا تراسل، ولا تخاطب ولا تكاتب. فكل هذا تحشر وتوجع.

وقوله (أأبى إن تصبح رهين قرارة) جواب الشرط أول البيت الذي يليه، وهو قوله (فلرب مكروب) . والمعنى: إن خليت مكانك من الدنيا وصرت مرهوناً في قرارة قبر زلق الجوانب، صريعه لا ينعش، ورهينه لا يفك، وأسيره لا يتخلص بمن ولا فداء، ولزيمه لا يتملس لوقت وعداد، فلربما فعلت كذا وكذا. وقوله (قعرها ملحود) ، تصوير للقبر بلحده.

وقوله (فلرب مكروب كررت وراءه) يريد: رب مضيق عليه أسلمه بنو أبيه لما امتحن به حتى تمكن العدو منه، أنت تعطفت عليه، وصرفت عنايتك إليه، فخففت

<<  <   >  >>