ولا تنبو حدوده عن شيء تلاقيه. وفي هذه الطريقة قول جرير:
وليس لسيفي في العظام بقيةٌ ... وللسيف أشوى وقعةً من لسانيا
والمضارب: جمع مضربٍ، وهو الموضع الذي يضرب به من السيف.
[وقال بعض بني فقعس]
يا أيها الراكبان السائران معاً ... قولا لسنبس فلتقطف قوافيها
الراكب: اسمٌ لمن ركب حيواناً إلا الفرس، فإنه يقال لراكبه فارسٌ متى أطلق. ومعاً، انتصب على الحال، ومعناه مصطحبين ومجتمعين. فيقول: يا أيها السائران المصطحبان، قولا لهذه القبيلة لتترك قول الشعر، أو تتوقف قليلاً حتى تتباطأ قوافيها عني. وفي هذا الكلام ضربٌ من الاستهزاء بهم، وإشارةٌ إلى التجبر والتعلي عليهم. والقطوف من الدواب: الذي في خطوه بطء مع تقارب. وجعل فعل الأمر للقوافي على السعة والمجاز. وسنبس هم المأمورون. وهذا كما يقال في النهي: لا أربنك ها هنا، والمخاطب هو المنهي، لأن المعنى: لا تكن ها هنا فأراك. ثم بين الشاعر الوجه الذي أوجب منه اطراح الافتخار ورفض الهجاء له، فقال:
إني امرؤٌ مكرمٌ نفسي ومتئدٌ ... من أن أقاذعها حتى أجازيها
يقول: إني رجلٌ أربأ بقدري عن مكايلتهم، وأترفع عن موازنتهم، وأتوقف عن ملاحاتهم، طلباً لمجازاتهم. والتقدير: لا أقاذعها لكي أجازيها، لأن حتى الداخلة على الفعل مرةً يكون بمعنى كي، ومرة يكون بمعنى إلى أن. ويجوز أن يكون المعنى: لا أقاذعها إلى أن أجازيها، أي أولاً أجازيها فعلاً لأرى القدرة عليها، ثم حينئذ أجازيها بالكلام. والأول أحسن. ثم أخذ يقتص ما كان منهم لما طلب مكافأتهم بالفعل. والمقاذعة: المفاحشة. ويقال قذعته، إذا رميته بالفحش. ومتئدٌ: مفتعلٌ من التؤدة، وهي الرفق.
لما رأوها من الأجزاع طالعةً ... شعثاً فوارسها شعثاً نواصيها
يقول لما رأوا الخيل بارزةً لهم ومفاجئةً إياهم من أجزاع الوادي - وهي جوانبها - مغبرة النواصي مغبرة الفرسان. وجواب لما فيما بعده. ويقال شعث شعثاً وشعوثةً، وهو أشعث وشعثٌ. وأضمر الخيل في قوله " لما رأوها " وإن لم يجر لها ذكرٌ، لأن الحالة الحاضرة تدل عليه. ويجوز أن يكون تقدم ذكرها فيما ترك من أبياته.