خاطب المرثي فقال متلهفاً: ما أعظم مصيبة أصيبت بها قبائل معد يوم فجعت بك فأصبحت مقيماً في مكان لا تبرح منه. يشير إلى القبر. ويقال: ثوى بالمكان وأثوى جميعاً. وقوله أدهى يقال دهاه كذا يدهاه دهياً ودهواً، إذا أثر فيه تأثيراً شديداً وداهية دهياء ودهواء. والداهية: المنكر من الأمر. فيقول: إن المصيبة بك ما أعظمها وأنكرها، فيا لمعد فقد بليت بها.
وقوله لعمري مبتدأ وخبره محذوف، ولئن سر شرط، واللام موطئة للقسم، وجواب لعمري لقد مروا، وجواب الشرط ما دل عليه هذا الجواب. والمعنى: وبقائي لئن كان الأعادي مسرورين بموتك، شامتين بذويك وعشيرتك لفقدهم لك، فقد وقعت الشماتة في وقتها وحينها، ووافاهم السرور لحادث أمر عظم موقعه، لأنهم مروا بربعك خاليا. والمعنى: أن ما كان ممدودا على ذويك وأوليائك من نطاق الاعتزاز بمكانك، والاعتلاء بجدك وجدوه قاصراً زائلا منقطعا. وانتصب خاليا على الحال. وقوله فإن يك أفنته الليالي فأوشكت معنى أوشكت. أسرعت. كأنه استقصر مدة بقائه. ويجوز أن يكون استقصر مدة علته. والكلام في حذف النون من إن تك فقد تقدم في مواضع. وقوله فإن له ذكراً سيفنى الليالي يريد: إن كان عمره قد انقطع فإن ذكره متصل بالأبد، لا تفنيه الأيام ولا تقطعه الآماد، بل هو يفنى الأيام والآماد. ووشك البين: سرعة القطيعة. وتقول: لو شكان ذا، كما تقول: لعجلان ما كان كذا. ومثله قوله:
فإن تسجنوا القسرى لا تسجنوا اسمه ... ولا تسجنوا معروفه في القبائل
[وقالت امرأة من كندة]
لا تخبروا الناس إلا أن سيدكم ... أسلمتموه ولو قاتلتم امتنعا
أنعى فتى لم تذر الشمس طالعة ... يوماً من الدهر إلا ضر أو نفعا
قوله لا تخبروا الناس إلا تهكم وسخرية، يشوبه تعيير شديد. أي قد ارتكبتم أمراً عظيماً بتسليمكم سيدكم، فاستروا أمركم ولا تنبئوا الناس به. وهذا مخاطبة لقوم خذلوا رئيسهم ولم يثبتوا معه، حتى قتل. فيقول: لو ثبتوا وتابعوا الدافع عن نفسه