للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد، وفاعله ما دل عليه ما قبله، وكأنه قال: بعد ذاك أن يكون. على هذا قوله:

فهيهات هيهات العقيق ومن به ... وهيهات خل بالعقيق تواصله

[وقال غوية بن سلمى بن ربيعة]

ألا نادت أمامة باحتمال ... لتحزنني فلا بك ما أبالي

فسيري ما بدا لك أو أقيمي ... فأيا ما أتيت فعن تقال

يقول: أظهرت هذه المرأة من نفسها ارتحالاً عني لتجلب علي حزناً وغماً، ونادت بالفراق وكثرته على ألسنة الناس. ثم انصرف عن الإخبار عنها وأقبل عليها يخاطبها فقال: لا بك ما أبالي. وهذه اليمين فيها تهكم وسخرية، لأن من يحل من قلبه امرأة محلها لا يجعلها أهلاً للإقسام بها. فقولك لا بك، كقولك لا بالله. وما أبالي جواب القسم. وقيل: أراد لا بك أبالي، أي لا أبالي بك، ويكون ما صلة، والقسم في هذا الكلام على هذا. وروى فآبك ما أبالي فيكون دعاء عليها. ومعنى آبك: أبعدك الله، والشاهد في ذلك قوله:

وخبرتني يا قلب أنك ذو نهي ... بليلى فذق ما كنت قبل تقول

فآبك هلا والليالي بغرة ... تلم وفي الأيام عنك غفول

فإذا رويت لا بك فالبيت على كلامين، لأن لا بك ينفصل عما قبله، ويصير ما أبالي متصلاً به لأنه جوابه. وإذا رويت آبك فالكلام على فصول ثلاثة: فالفصل الأول أنها أرادت أن تدخل عليه جزعاً بالفراق، فكأنه أقبل قبلها ودعا عليها، ويكون الدعاء حشواً حسناً، وما أبالي كلاماً آخر، وينفصل ما أبالي عن الدعاء وعن الأول.

وقوله فسيري ما بدا لك أو أقيمي استهان بها وبفراقها، فخيرها بين السير ما بدا لها وأرادته، وبين الإقامة، ثم قال: فأي الأمرين اخترت فعن تقال لي إياه. وإنما قال تقال ولم يقل قلى، لأن في التقالي زيادة معنى، وهو أن يحدث الفعل شيئاً بعد

<<  <   >  >>