للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله في بعض تطواف ابن طعمة قد أبرز اسمه، يقول: يا دعامة. فهو دعامة بن طعمة. وتطواف: بناء لما يشوبه في الوقوع أدنى تكلف. فكأن هذا الرجل كان جوالة، فاتفق عليه أن مات آمن ما كان، فأخذ يقتص حاله ويتحزن له، وجعل التطواف للجنس، وأضاف البعض إليه. وانتصب آمناً على الحال من لاقى حمامه، وإذا كان العامل في ذي الحال فعلا جاز تقديم الحال عليه.

وقوله وصدا له خفي عليه كيف اتفق مصرعه. ومعنى صدا له دعاه. ويجوز أن يكون فعل بمعنى تفعل، كأن صدا بمعنى تصدى له قائداً. والتصدي تعرض يختلط بازورار وإعراض. على ذلك قوله تعالى: " فأنت له تصدى ". يقول: تصدى له الحين سائقاً له يأتيه على غرة، بل تصدى قائداً لا سائقاً. كأنه لما خفي عليه من أين أتى لم يقطع الكلام على وجه واحد، بل تدارك وانتقل وهو بعد شاك، ولكن كأنه أومأ إلى جماع الطرق. وقوله:

غر امرؤ منته نف ... س أن تدوم له السلامه

معنى غر خدع على وجه له في الاستنامة إليه غرر. ويقال: ما غرك بفلان؟ أي لم أجترأت عليه وكان الوجه أن لا تجتزئ. على ذلك قوله تعالى: " ما غرك بربك الكريم ". ويقال: من غرك من فلان؟ أي من الذي جذبك عنه وحال بينك وبينه، وكان الوجه أن تكون مقبلاً عليه. ويقال: ما غرك من فلان؟ أي لم وثقت به وكان الحكم أن لا تثق به. فأما قوله منته نفس فإنما نكره لغرض ما، وهو أن لكل رجل فيما يهم به أو يرجوه أو يخافه نفسين: نفس تبعثه عليه، ونفس تصرفه عنه، فلهذا قال: منته نفس أن تدوم له السلامة، أي غرت تلك النفس امرأ جعلت من أمانيه دوام السلامة. يشهد لهذا الذي قلناه قول الآخر:

شاور نفسي طمع وخيبة ... تقول هاتي: لا، وهاتيك: بلى

ثم قال:

فشجعته نفس حرص طعمت ... وحذرته نفسه الأخرى الردى

وقوله:

هيهات أعيا الأولين دواء دائك يا دعامة

أراد بالأولين الأمم السالفة، وقد أعجزهم دواء الموت. وقوله هيهات استبعاد لوقوع ما تقدم ذكره، وهو أن تدوم له السلامة. وهيهات: اسم للفعل وهو

<<  <   >  >>