من ولاة الأمر، جعلوا الخلافة ملكاً، وفيء المسلمين ملكاً. وقيل أراد بالفساد الحرب المعروفة بحرب الفساد، وسميت بذلك لتناهي الشر والحقد بين أهلها، ويقال إن الواحد منهم كان يخصف نعله بأذن مقتوله ويشرب الماء في قحف رأسه. ويكون المراد بالدين في هذا الوجه ائتلاف العشيرة، لأن هذه الحرب كانت في أحياء طييءٍ. والرأس: الجماعة الكثيرة. قال:
ورأس أعداءٍ شديدٍ أضمه ... سرنا إليه إذا غزانا أعظمه
وقوله نصادمه أي ندافعه ونصاكه. فيقول: إذا ارتفعت دعوة الاتفاق والائتلاف من بين العشائر، وبطلت طاعة بعضهم للبعض، وسقط التعاون والتجمع منهم بما يعمهم من المباينة، ويظهر فيهم من أثر العقوق والمشاقة، فقل له ليتركنا وجيشاً عظيماً من قبائل معدٍ ندافعه ونحاربه. وإذا كان بيننا التوازر والتألف لم نبال بقبائل معدٍ كلها. قوله " نصادمه " في موضع الحال، أي مصادمين له. وقوله " يدعنا " إن شئت قلت انجزم بلام الأمر وقد حذف، كأنه قال: قل له ليدعنا. وإن شئت قلت انجزم على أن يكون جواب أمرٍ محذوفٍ، كأنه قال: قل له دعهم يدعنا. وعلى هذا قوله عز وجل:" قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة "، كأنه قال قل له لهم افعلوا يفعلوا.
ببيضٍ خفافٍ مرهفاتٍ قواطعٍ ... لداود فيها أثره وخواتمه
الباء من قوله " ببيضٍ " تعلق بنصادمه من البيت الأول. ويعني بها السيوف. وجعلها خفافاً لسرعة الضاربين بها في إعمالها. والمرهفات: المرققات الحد، المواضي في الضرائب. وقال: لداود فيها خواتم، يريد عتقها. وداود عليه السلام إنما سرد الدروع لما لين الله الحديد له معجزةً لا السيوف، لكن القصد إلى العتق والقدم، لا إلى الطبع والعمل. وقيل فيه إنه قدر أن الأمر في نسبة السيوف والدروع إلى داود على سواءٍ، لجهله. والأثر: فرند السيف. وذكر الخواتم مثلٌ، أي هي مما اتخذ في أيامه، واستعمل تحت خواتمه.