ويقال للكناس المكنس. تقال: ظبيٌ كنسٌ، إذا لزم كناسه.
ومن يغر بالأعداء لا بد أنه ... سيلقى بهم من مصرع الموت مصرعاً
قوله " لا بد " يجري مجرى لا محالة، وهو من البدد مصدر للأبد، وهو سعة ما بين اليد والجنب، كأن المراد لا سعة في ذلك ولا تجوز. وكان الواجب أن يقول: لا بد من أنه سيلقى، فحذف من. فإذا قلت: لا بد من كذا، فانتصاب بد بلا، وخبره من كذا. ولم يتعلق من ببد كما تعلق بخير من قولك لا خير منه لك، لأنه لو كان كذلك لنون بدٌ ولم يجز غيره: يقول: من أولع بمنابذة الأعداء، وغري بمضارتهم لا بد أن يلقى بهم يوماً من الأيام مصرعاً من مصارع الموت، لأنه كما يرى فيهم يرى بهم. ويقال: غري بكذا وأغري به، وقد روى " يغر " بفتح الياء، و " يغر " بضمها. والمصرع ها هنا مصدرٌ، وقد يكون في غير هذا اسماً للمكان والزمان وعلى طريقة هذا البيت المثل السائر:" من ير يوماً ير به ". وجواب الجزاء في ضمن قوله لا بد أنه سيلقى، والتقدير من يغر بالأعداء فهو سيلقى بهم مصرع الموت، لا بد من ذلك.
رجع إلى ذكر الوحش بعد أن اعترض بين الكلام فيها بقوله:" أطال نزال القوم "، وبقوله " ومن يغر بالأعداء ". وهو يريد أن يبين سبب أنسها به، وزوال نفارها منه بأشفى مما قدمه. فيقول: رأت الوحش به فتىً صيد الوحش مما ليس يخطر ببال، ولا يعده من جملة الأشغال. فلو مكنت من نفسها إنساً لمكنت هذا. فقوله " لا صيد وحشٍ يهمه " من صفة الفتى، ونفى بقوله لا الغفل، فلذلك لم يكرر لا مرتين كما تقول لا عبدٌ لك ولا جارية. وإذا كان كذلك فقد أضمر بعد لا فعلاً، وجعل الصيد يرتفع به، ويكون الفعل الظاهر بعده تفسيراً، كأنه قال لا يهمه صيد وحشٍ يهمه. والمصافحة أصلها في مماسة صفحة إحدى اليدين للأخرى عند السلام، فاستعارها للتمكين والاستسلام. وقوله " معاً " في موضع الحال، أي مجتمعةً ومصطحبةً. والفائدة في ذكر الإتيان بلفظةٍ تفيد العموم، فكأن المراد الوحش على اختلاف أجناسها.
ولكن أرباب المخاض يشفهم ... إذا اقتفروه واحداً أو مشيعا
وإني وإن عمرت أعلم أنني ... سألقى سنان الموت يبرق أصلعا