للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قول الله عز وجل: " قليلاً ما تؤمنون " و " قليلاً ما تذكرون ".

يبيت بمغنى الوحش حتى ألفنه ... ويصبح لا يحمى لها الدهر مرتعا

قوله " يبيت بمغنى الوحش "، أي استمرت هذه الحالة به، واتصلت منه ودامت، لأن الأماكن سواه ضاقت عنه، ومجامع الإنس تكرهته فلفظته، فألف القفار ولزم مرابع الوحش ومساكنها، حتى أنست به وسكنت إليه، وعدته واحداً منها، وصار هو أيضاً على تعاقب الزمان وتصرف الأحوال لا يحمي من أجلها مرعى، ولا يراعي من مرادها مأوىً، لأن همته مصروفةٌ إلى غيرها، ونفسه مشغولةٌ بسواها، فلا نفرتها منه تقبضها عنه، ولا صيده لها يجعلها من همه. ومثل هذا قول الآخر:

علام ترى ليلى تعذب بالمنى ... أخا قفرةٍ قد كان بالغول يأنس

وأضحى صديق الذئب بعد عداوةٍ ... وبغضٍ وربته القفار الأمالس

على غرةٍ أو جهرةٍ من مكانسٍ ... أطال نزال القوم حتى تسعسعا

تعلق قوله " على " بقوله " لا يحمى ". والمعنى: لا يحافظ لها ولا يترقبها، لا على غفلةٍ منها واغترارٍ منه إياها، ولا بمجاهرةٍ لها ولا مكاشفة دونها، بل أطال مزاولة الغارات ومنازلة الكماة منذ ترعرع، إلى أن ولى شبابه وتسعسع. وهذه إشارةٌ إلى ما تنقل فيه على تغير الأحوال ومضي الأوقات، من اكتساب العداوات وإيقاع الوقعات، وتهييج الغارات. وقوله " تسعسع " من قولك تسعسع الليل أو النهار، إذا أدبر. وفي الحديث: " تسعسع الشهر ". والمكانس: الملازم للكناس. ويقال كنسى الظبي فهو كانسٌ، إذا أوى إلى كناسه. قال لبيد:

تسلب الكانس لم يؤر بها ... شعبة الساق إذا الظل عقل

<<  <   >  >>