ومثله مما قد دخل الاعتراض بينه وبين المفعول قول أبي النجم:
وبدلت والدهر ذو تبدل ... هيفاً دبوراً بالصبا والشمأل
وفي القرآن قوله عز وجل:" ليقولن كأن لم يكن بينكم وبينه مودةٌ يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً ". لأن قوله يا ليتني مفعول ليقولن، وكأن لم يكن اعتراضٌ. وكذلك الدهر ذو تبدل اعتراضٌ. وقوله " المرجو نصرهم " فيه تعييرٌ وتقريعٌ كما أنه في قوله والدهر يحدث بعد المرة الحالا " هزؤٌ وسخرىٌ. وهؤلاء القوم كانوا تركوا عشيرتهم وانتقلوا عنهم للوثةٍ حصلت بينهم إلى بني الحارث طمعاً في نيل ما يفوتهم منهم من جهتهم، فلما لم يجدوهم عند الظن بهم تندموا، فأخذ هذا الشاعر منهم يرمى بهذا الكلام معيراً ومتلهفاًن فيقول: أبلغ هؤلاء القوم الذين رجى معونتهم وطمع في نصرتهم وذبهم - والدهر ذو غيرٍ وتلونٍ، فيتعقب فيه الشدة لينٌ، والقوة ضعفٌ، والعزة ذلٌ - رسالتي إليهم. وإنما تبين من قوله الحال، وإن كان واحد الأحوال، الضعف، والمعنى الذي ذكرته لقوله يحدث بعد المرة. وحكى بعضهم أن هذا كما يقال تركته بحالٍ، للمشرف على الشر أو الهلاك، والمراد بحال سوء، فكذلك هنا يريد والدهر يحدث الحالة المنكرة بعد المرة. وقيل أيضاً الحال: التراب اللين والحمأة، فاستعاره للضعف واللين.
إنا تركنا فلم نأخذ به بدلاً ... عزاً عزيزاً وأعماماً وأخوالاً
يقول: أد إليهم أنا بمفارقة قومنا تركنا أقارب من جهة الآباء والأمهات، متناصرةً على دفاع حوادث الدهر متعاونةً، وظهراً ظهيراً، وعزاً متناهياً قوياً، ولم نتعض منهم ما فيه طائلٌ. قوله " وأعماماً وأخوالا " أي تركناهم وهم من البر والشفقة على ما يكون عليه الأعمام والأخوال، وفيما يرجى من الوفور بهم والتأيد بمكانهم. وقوله " عزاً عزيزاً "، من شأنهم أن يشتقوا من لفظ الشيء الذي يريدون المبالغة في وصفه بناءً يتبعونه به تأكيداً وتنبيهاً على تناهيه في معناه. على ذلك قولهم: ظلٌ ظليلٌ، وداهيةٌ دهياء، وشعرٌ شاعرٌ.