قد كنت آخذ حقي غير مهتضمٍ ... وسط الرباب إذا الوادي بهم سالا
هذا الكلام توجعٌ وتلهفٌ في إثر ما فاته من قومه، بما حصل من فساد ذات بينهم، حتى صاروا إلى التباين، والتمايز بالأبدان والتهاجر. فيقول: كنت أتقاضى بحقوقي بين ظهرانيهم فأقتضيها وأستوفيها غير مهضومٍ ولا مهينٍ إذا جاءوا محتفلين تمتلئ منهم الطرق والفجاج، وتسيل بهم المذانب والتلاع. ومثل قوله " إذا الوادي بهم سالا " قول الآخر:
وسالت بأعناق المطي الأباطح
لا تجعلونا إلى مولىً يحل بنا ... عقد الحزام إذا ما لبده مالا
المولى في البيت: الناصر أو الولي لا غير. وكأنه أقبل على قومه يستعطفهم، ويشكو إليهم ما لاقوه من غيرهم. فيقول: تلافوا أمرنا ولا تكلوه إلى ناصرٍ يؤثر صلاح حاله وإن فسد حالنا، ويروم انتعاشه وإن سقطنا، ويسوى لبده إذا اعوج وزال عن مقره بنا. وهذا تعريضٌ لمن كانوا انتقلوا إليهم. كأنهم كانوا يهمهم ما يختص بأنفسهم، ثم لا يحلفون بما يختل من شأن هؤلاء أو ينحل من عقدهم.
وفي هذه الطريقة قول الآخر:
وكنا فوارس يوم الهرير ... إذا مال سرجك فاستقدما
وأفصح من هذا قول ابن أحمر:
فإما زال سرجٌ عن معدٍ ... وأجدر بالحوادث أن تكونا
وقال ابن عنمة أيضاً:
ما إن ترى السيد زيداً في نفوسهم ... كما يراه بنو كوزٍ ومرهوب
السيد: قبيلة، وكذلك كوزٌ ومرهوبٌ. وقوله " ما إن " إن زيدت لتأكيد النفي. وذكر سيبويه أن ما الحجازية إذا قرن بإن هذه يبطل عمله، يقول: بنو السيد لا