يقسمون لزيدٍ من التعظيم، ولا يوجبون له في نفوسهم من الحرمة والتبجيل، ما يوجبه ويقسمه بنو كوز ومرهوبٌ. والضمير على هذا من قوله " في نفوسهم " يكون للسيد. ولا يمتنع أن يكون الضمير لزيدٍ لأنه قبيلةٌ أيضاً. وهذا كما يقال: لك في نفسك حقٌ ومنزلةٌ. كأن زبداً كان له إذا راجع نفسه من التوجيه والإدلال، والتخصص والاعتزاز في بني كوزٍ ومرهوبٍ، ما لا يكاد يجده في بني السيد.
إن تسألوا الحق نعط الحق سائله ... والدرع محقبةٌ والسيف مقروب
يقول: إن وقفتم عندما يثبت من حقكم، ورضيتم بما لا نجحده من واجبكم، ولم يخيل إليكم أن طلب ما فوقه أعود عليكم، خرجنا منه إليكم من غير إباءٍ ولا امتناعٍ، ولا اهتياج حربٍ أو إعمال سلاحٍ. وقوله " والدرع محقبةٌ " أي مشدودةٌ في الحقائب، لأنه أراد بالدرع الجنس. والاحتقاب والاستحقاب: شد الحقيبة من خلفٍ. وكذلك قوله " والسيف مقروب " أي متروكةٌ في قربها؛ لأنه أراد السيوف. ويقال: قربت السيف وأقربته، وغمدته وأغمدته. وقال أبو زيدٍ: القراب: غشاءٌ يكون السيف مغمداً فيه. واحتج بقوله:
يا ربة البيت قومي غير صاغرةٍ ... ضمي إليك رحال القوم والقربا
وإن أبيتم فإنا معمرٌ أنفٌ ... لا نطعم الخسف إن السم مشروب
يقول: إن عدوتم طوركم، وتجاوزتم في الطلب حقكم إلى ما ليس لكم، فإن أنفتنا تمنع من احتمالكم، والتزام شهوتكم، وحميتنا تأبى الرضا بالتحمم، والصبر على الاقتسار والتهضم، فلا نطعم الخسف وإن شربنا السم. والخسف: أن يحملك إنسانٌ ما تكرهه. ومن الصنعة الحسنة مقابلته الطعم بالشرب، واستعارته إياهما في تجرع الغصة، وتوطين النفس على المشقة، عند إزالة المذلة، ورد الكريهة. وأنف: جمع أنوف. والمعشر: الجماعة أمرهم واحدٌ، ويقال: جاء القوم معشر معشر، أي عشرةً عشرةً.