هذا مثلٌ. والمعنى: انقبض عن التعرض لنا، والدخول في حرمتنا، ورعى سوامك روضتنا؛ فإنك إن لم تفعل ذلك ذممت عاقبة أمرك، وعدت خاسر الصفقة وخيم الرتعة. جعل إرسال الحمار في حماهم كنايةً عن التحكك بهم، والتعرض لمساءتهم. ولا حمار ثم ولا روض. وقال ابن الأعرابي: أرادا كفف لسانك. قوله " إذا " قال سيبويه: هو جوابٌ وجزاءٌ، فالابتداء الذي هو جزاؤه محذوفٌ مستدلٌ عليه مما في كلامه، كأنه قال فإنه إن رتع رجع إليك وقد ضيق قيده، أي ملئ قيده فتلاً حتى لا يمشي إلا بتعبٍ، كأنه يضرب أو يستعمل حتى يرم جسمه ويؤدي الوجع منه إلى موضع حافره فيضيق عليه القيد.
إن تدع زيدٌ بني ذهلٍ لمغضبةٍ ... نغضب لزرعة إن الفضل محسوب
يقول: إن غضب بنو ذهلٍ لزيدٍ وامتعضوا من ضيمٍ يركبها، وأغاثوها إذا استجارت بهم، غضبنا لزرعة، وانتقمنا له ممن يهتضمه، إن الفضل معدود. فالمعنى: إنه لا فضل لكم علينا فقد عددنا ما لكم، فلم نجد زيادةً لكم، ولا استظهاراً يوجب لكم التعلي والتغلب. وإذا كان الأمر بيننا على التساوي فلا استبداد ولا احتكام. ويروى: إن القبص محسوب، وهو العدد الكثير، ويكون الكلام مثلاً. ويقال إنهم لفي قبص العدد وفي قبص الحصى، أي في أكثر ما يستطاع عدده من كثرته، والمراد: إن الأعداد الكثيرة تضبط وتحصر، فكيف ما بيننا من تفاوتٍ وتفاضلٍ، أو تساوٍ وتعادلٍ.
ولا يكونن كمجرى داحسٍ لكم ... في غطفان غداة الشعب عرقوب
كان التنازع بينهم في رهانٍ وقع على عرقوبٍ، وهو فرسٌ لهم. فيقول: لا يكونن جرى عرقوب عليكم في الشؤم كجري داحسٍ في غطفان غداة شعب الحيس. فقوله " عرقوب " ارتفع على أنه اسمٌ لا يكونن، وقد حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، لأن المراد: ولا يكونن مجرى عرقوبٍ كمجرى داحسٍ. وقوله " غدة الشعب " ظرفٌ لقوله كمجرى. وجعل النهي في اللفظ لعرقوبٍ وهو في المعنى لهم. حذرهم استعمال اللجاج لئلا يتأدى الأمر إلى مثل ما تأدى في رخان داحسٍ والغبراء. ومثل هذا من النهي قولهم: لا أرينك ها هنا.