يقول: زادني حرصاً على الدنيا ورغبة في العيش فيها، علمي بذل اليتيمة وقد جفاها أقاربها، واطرحها أهلوها. وموضع " يجفوها " من الإعراب نصبٌ على الحال لليتيمة، والعامل فيه ذل اليتيمة. والتقدير: زادني معرفتي بذل اليتيمة إذا جفاها ذووها رغبةً في العيش ومهلة العمر.
أحاذر الفقر يوماً إن يلم بها ... فيهتك الستر عن لحمٍ على وضم
قوله " أن يلم بها " موضعه نصبٌ على البدل من الفقر. والمعنى: أحاذر إلمام الفقر بها فيكشف الستر عمن لا دفاع به، فتناوله من شاء بما شاء. والعرب تقول:" النساء لحمٌ على وضمٍ إلا ما ذب عنه ". والوضم: خوان الجزار والخباز، وموضعه ميضمةٌ، والجميع مواضم.
يقول: تحب ابنتي بقائي لها، وأنا أود موتها إشفاقاً عليها، وخوفاً من ابتذالٍ يلحقها، وابتلاءٍ بمن لا يعرف لها ما يعرف لمثلها، ثم قال: والموت أكرم نزالٍ على الحرم، كما قيل: نعم الختن القبر ودفن البنات من المكرمات. وانتصف شفقاً على أنه مفعول له.
أخشى فظاظة عمٍ أو جفاء أخٍ ... وكنت أبقى عليها من أذى الكلم
هذا تفسير قوله أهوى موتها شفقاً يريد: أشفق من مغالظة عمٍ لها، أو جفوة أخٍ تلحقها، وأنا كنت أبقي عليها من إيذائها بالكلم فضلاً عن غيرها من الأفعال. يقال: رجلٌ فظٌ، إذا كان قاسي القلب غليظ القول. والكلم: جمع كلمةٍ. ومعنى: أذى الكلم الأذى الذي يلحق من الكلم.
وهذه الأبيات مع ما يشبهها لما ضادت ما قبلها في تضمنها رقة القلب، والتعطف على الولد والأهل، أتبعها بها. وكل ذلك كالعارض ثم يعود إلى ما بني عليه الباب. وهذا عادة أبي تمام في أبواب هذا الاختيار. ويشبهها قول الآخر: