للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد ابن عاتكة الثاوي على أبوي ... أمس ببلدة لا عمٍ ولا خال

دعاه الضدر بموت من أصيب به إلى أن دعا على الناس كافةً بأن لا يهنئهم الله ما يرعونه من حمىً، وما يحوزونه من مالٍ ولهى، ويسوقون من أهلٍ وولدٍ، ويجمعونه من عتادٍ وذخيرة. وهذا يدل على شماتةٍ من قومٍ حصلت عليه حين فجع بأخيه، فيجوز أن يكون الناس وإن كان لفظه عاماً يختص بمن منى بعداوته، وابتلى بشماتته. فقد قيل في قوله تعالى: " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم " إنه كان رجلاً واحداً. ولا يمتنع أن يكون اعتقد في الناس كافةً أنهم نظروا بعين الحاسدين إليه أيام حياته، لحسن توفره، وكمال براعته. وهذا شأن من أعجب بشيء أوتيه، فلما فقده ظنهم شمتوا به، وأدركوا مراداً لهم في فقده، لا اختصاص فيه ولا تباين، فعمهم بالدعاء عليهم.

وقوله بعد ابن عاتكة نسبه إلى أمه تنبيهاً على أن الجامع بينهما كانت الأمومة. وقوله الثاوي على أبوي يدل على أن قبره كان به. وقوله ببلدة لا عمٍ ولا خال نبه به على تباينه عن بلاده وأقاربه، وأنه مات في غربة.

سهل الخليقة مشاءٌ بأقدحه ... إلى ذوات الذرى حمال أثقال

حسب الخليلين نأى الأرض بينهما ... هذا عليها وهذا تحتها بال

وصفة بأنه كان سهل الجانب حسن الخلق، جميل التعطف أوان القحط والجدب على الفقراء والمساكين، ضروباً بقداحه على الإبل السمان ذوات الأسنمة الكبيرة، إذا حضر الأيسار، لشدة الزمان؛ وأنه كان يدخل تحت الأعباء الثقيلة فيحملها على جاهه وماله لذويه، والعفاة الراجين له.

وقوله حسب الخليلين نأى الأرض بينهما، يعني بالخليلين نفسه والمفقود، فيقول: حسبنا من البعد وإن كان التداني بالجوار حاصلا أن صاحبي تحت التراب يبلى، وأنى على ظهرها أمشي وأحيا. وقوله هذا عليها وهذا تحتها أشار إلى كل واحدٍ منهما بما يشار به إلى الحاضر، تنبيهاً على التجاور والتداني في الديار، وأن البعد إنما كان في تعذر الوصال، وسقوط التزاور والالتقاء.

<<  <   >  >>