للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قرى الهم إذ ضاف الزماع فأصبحت ... منازله تعتس فيها الثعالب

يقول: يجعل قرى همه إذا اعتراه، النفاذ والعزيمة، والإجماع فيه والصريمة، فترى منازله تستبدل بسكانها وحشاً تعتس فيها، ويعتاض هو من الدعة والخفض تعباً يمتطيه، ودءوباً يستمر فيه. والاعتساس: الاختلاف بالليل. ويقال: عس واعتس، ومنه أخذ العسس. وفي المثل الجاري " كلبٌ عس خيرٌ من أسدٍ ربض ".

جليدٌ كريمٌ خيمه وطباعه ... على خير ما تبنى عليه الضرائب

يقال هو جلدٌ وجليدٌ بمعنىً. والخيم: الطبيعة؛ وقال أبو عبيدة: أصله فارسيٌ معرب. والطباع: ما طبع عليه الإنسان في مأكله ومشربه وسائر أحواله. والضرائب: جمع الضريبة، وهي الخليقة. ويقال: ليس لفلانٍ ضريبٌ، أي شبيه، وهو كريم الضريبة. فيقول: قوي الجأش، مرضي الطبيعة، وقد جبل في كل ما يستشف من أموره على أحسن ما تجبل عليه النفوس والأخلاق.

إذا جاع لم يفرح بأكلة ساعةٍ ... ولم يبتئس من فقدها وهو ساغب

أحسن حاتم طيئٍ في هذه الطريقة حين قال:

غنينا زماناً بالتصعلك والغنى ... فكلتاهما يسقي بكأسيهما الدهر

فما زادنا بغياً على ذي قرابةٍ ... غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر

والشاعر يصف كرم نفسه وحسن صبره على تقلب الأحوال، فالشبعة لا تطغيه، والجوعة لا تؤيسه فترديه. والسغب: الجوع. وأضاف الأكلة إلى ساعةٍ تقصيراً بها وإزراءً، وإن كان ذلك وقتاً لها. وقوله من فقدها يريد من فقدٍ لها، والمصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول جميعاً، على هذا قوله تعالى: " من دعاء الخير ".

يرى أن بعد العسر يسراً ولا يرى ... إذا كان يسرٌ أنه الدهر لازب

<<  <   >  >>