للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حسرتاه على من كان مفزعي في النوائب، ومعتمدي في الشدائد، أستنصرهم فينصونني، وأتكفيهم فتحصل منهم كفايتي، والقوة لهم وبهم، والنصرة مجتلبةٌ من جهتهم. وقوله وساعده الواو واو الحال، أي يكفيني بقوةٍ وشدة بأس.

وما من ذلةٍ فلبوا، ولكن ... كذاك الأسد تفرسها الأسود

بين أنهم لم يؤتوا من ضعفٍ، ولم ينكبوا عن وهن، ولكن الأشداء إذا تلاقوا متدافعين ومتجاذبين، فلا بد من حصول الغلب في أحد جانبيهم، واحتجان القهر لأقرب طائفتيهم. على ذلك الأسود تكسرها الأسود. وقوله: كذاك الأسد الأسد مرتفع بالابتداء، وتفرسها الأسود في موضع الخبر، وكذاك في موضع الحال، والتقدير: ولكن الأسد تفرسها الأسد كذلك، أي أمثالاً لمن قتلت، ويجوز أن يكون أشار بذلك إلى الغلب، لأن غلبوا يدل عليه، ويجوز أن يكون ذلك خبراً مقدماً للأسد، وتفرسها في موضع الحال والتقدير: ولكن كأمثالهم الأسد إذا فرستها الأسد، ومثل هذا قول الآخر:

قومنا بعضهم يقتل بعضاً ... لا يفل الحديد إلا الحديد

ومن الأمثال: " النبع يقرع بعضه بعضاً ".

فلولا أنهم سبقت إليهم ... سوابق نبلنا وهم بعيد

لحاسونا حياض الموت حتى ... تطاير من جوانبنا شريد

هذا الكلام اعترافٌ منه بقوتهم وغنائهم في الحرب واستقلالهم، فيقول: لولا أنا رشقناهم بالنبل على بعدهم عنا، وقبل تمكنهم منا، لكان الإتيان عليهم متعذاراً، والفراغ من مناوشتهم متصعباً، لما فيهم من الثبات في الدفاع والصبر على الوقاع، ولأنهم كانوا يساقوننا الموت من حياضه إلى أن يتفرق عنا، ويذهب من جوانبنا كل مختلطٍ بنا، يأساً منا، ونفوراً من حالنا، لما يستشنعه من جهد بلائنا، ويبشمه من عسر لزامنا، لكنهم شغلوا بما دهمهم من ذلك. وقوله وهم بعيد: بعيدٌ مثل الصديق والرسول، في أنه يقع للواحد والجمع. وقوله شريد يراد به الكثرة، وإن كان لفظه واحداً. وقوله: لحاسونا حياض الموت فيه توسعٌ، لأن المعنى ما في الحياض.

<<  <   >  >>