للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: أصل مقامي على قبريكما باتصال الليالي ودوامها، ولا أبرح إلا أن يجيبني صداكما. وقوله لست بارحاً في موضع الحال، كأنه أراد: أقيم ملازماً أبداً. وطوال انتصب على الظرف، والعامل فيه يجوز أن يكون بارحاً، ويجوز أن يكون أقيم. فأما قوله أو يجيب فأو بدلٌ من إلى، والفعل بعده انتصب بأن مضمرة. والعرب تقول: عظام الموتى تصير أصداءً وهاما، لذلك قال: أو يجيب صداكما.

وقوله أصب على قبريكما من مدامة من أفاد التبعيض، وموضع من مدامةٍ نصبٌ على أنه مفعول أصب، والمعنى أجريكما في المنادمة والشرب مجراكما وأنتما حيان، فإذا عادت النوبة إليكما أصب ما نابكما من المدامة على قبريكما، لأنه إن لم يبل ريقكما رطب قبريكما. وقوله أبل يجوز أن تبنيه على الفتح والضم والكسر، لأنك تدغم وإن كان معرباً، فيلتقى بنقل الحركة عن العين إلى الفاء ساكنان، ثم يبنى على الكسر لأنه أصلٌ في التقاء الساكنين، أو على الفتح لخفته، أو على الضم للإتباع. ولا خلاف في إدغام المعرب من كل العرب، فأما المبني فبعضٌ يظهر التضعيف فيه فيقول: أردد، وبعضٌ يقول رد فيدغم وإن كان مبنياً، إلا أن الأصل في الإدغام للمعرب، ثم حمل المبني عليه فاعلمه.

وأبكيكما حتى الممات وما الذي ... يرد على ذي عولةٍ أن بكاكما

قوله وما الذي يرد على ذي عولةٍ يجري مجرى الالتفات. وقوله إن بكاكما إذا فتحت الهمزة يكون موضعه من الإعراب الرفع على أن يكون فاعل يرد، لأن أن مع الفعل في تقدير المصدر، وإن رويت إن بكسر الهمزة كان شرطاً وجوابه يدل عليه ما تقدمه، وفاعل يرد ما يدل عليه أبكيكما من مصدره، كأنه قال: وما الذي يرد البكاء على ذي عولةٍ إن بكاكما. على ذلك قولهم: من كذب كان شراً له، ومن صدق كان خيراً له يريدون كان الكذب شراً له والصدق خيراً له. والمعنى: أبكيكما ما اتصل عمري. ثم قال كالملتفت إليهما على طريق اليأس: وما يغني البكاء عن المعول إن بكاكما. فقوله " ما " استفهام ومعناه للإنكار. والعويل: صوت الصدر، ومنه العولة، وقد أعولت المرأة.

<<  <   >  >>