المراد به دبيبه في أثناء القلب وأطباقه، وذهابه في أجزائه وأضعافه، وليس في الدخيل هذا المعنى. ويقال أمجدت الدابة العلف، إذا أكثرت له.
وقوله وأبنا بزرعٍ قد نما في صدورنا نبه بهذا الكلام على أن حزنه يزيد على مر الأيام، فهو كالزرع النامي، وأن سقياه الدموع. ومعنى البوادر المستبقة لكثرتها وغلبتها. وأصل الزرع الإنبات. والزرعة: البذر. لذلك قال الله عز وجل:" أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ". وازدرع، إذا زرع أو أمر به لنفسه خاصةً. ويقال: زرع لفلانٍ بعد شقاءٍ، إذا أصاب مالاً بعد الحاجة. فإن قيل: كيف قال أمجدنا قرى والميت لا يعمل شيئاً؟ قلت: لما جعله مزوراً أقام له قرى لزائره على عادته وهو حيٌ. وهذا المعنى من كلامه أبين وأظهر من كلام عبدة بن الطبيب لما قال:
إذا زار عن شحطٍ بلادك سلما
ولما حضرنا لاقتسام تراثه ... أصبنا عظيمات اللهى والمآثر
وأسمعنا بالصمت رجع جوابه ... فأبلغ به من ناطقٍ لم يحاور
اللهى: أفضل العطايا وأجزلها، والواحدة لهيةٌ ولهوةٌ؛ ومه اللهوة التي تلقى في الرحى. يقول: لما اجتمعنا لنقتسم تركته فيما بيننا لم نجد له إلا ما كسبه عطاياه من المآثر الكريمة. فأضاف عظيمات إلى اللهى والمآثر جميعاً، وهي جمع مأثرةٍ، وهي ما يؤثر من المحامد والمعالي ويذكر. ويجوز أن يريد بالعظيمات المفاخر التي ادخرها له اللهى، ويكون اللهى حينئذ الأموال الكثيرة. ويجوز أن يكون المراد بالمآثر الأعلاق الثمينة، والنفائس الكريمة، التي فرقها في حياته، وآثر غيره بها. وقوله وأسمعنا بالصمت رجع جوابه أي مرجوع جوابه، كما قال غيره:" اسأل الأرض، أين من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك؛ فإن لم تجبك حواراً أجابتك اعتباراً "؛ وكما قال الآخر: