فقد جعلت إذا ماحاجتي نزلت ... بباب دارك أدلوها بأقوام
قوله:(لو عد قبر وقبر) المراد به والأصل فيه: لو عدت القبور قبراً قبراً، إلا أنه اختصر الكلام وحذف القبور ورفع قبراً على أن يقوم مقام الفاعل، فلما رفعه وأزاله عن سنن الحال في نحو قولهم: بعت الشاء شاة شاة، وقبضت المال درهماً درهماً، وصمت رمضان يوماً يوماً، رد حرف العطف، وإنما قلت هذا لأنه من مواضع العطف، لكنهم اتسعوا في الحال لعلم المخاطب. وقال سيبوبه: إن الغالب على هذا الباب كله أن يكون انتصابه من إحدى الجهتين: الحال أو الظرف، لأن الاتساع منهم على هذا الحد والجواز لم يكن إلا فيهما. والظرف كقوله: لقيته يوم يوم، وصباح مساء، وماجانسهما. قال: والإفراد في هذا الباب لا يجوز حماية على المعنى الذي يتضمنه التكرار.
وإن قيل: هل يجوز على ما بينت: لو عدت القبور قبر وقبر، على البدل، وكذلك بين حسابه باب وباب؟ قلت: لا يجوز ذلك، لأن القصد والغرض من الكلام، وقد أجرى على ماتقدم، التفصيل والتتابع، ومن الإبدال على ما ذكرت لا يتبين ذلك. ومع ذكر القبور يحذف من الاسمين المترجمين عن الحال بعده. لا يجوز بعت الشاء شاة وشاة؛ فكذلك هذا، على أن بابي الحال والظرف يحتملان من التوسع ما يضيق عنه أكثر أبواب الإعراب ويعجز، وإذا كان كذلك لم يجز تجاوزهما بالاتساع فيهما إلى غيرهما. ألا ترى أنه لو قال: لو عد قبران كنت أكرمهما ميتاً، لم يجز، ولم يتبين منه ذلك المعنى، وإن كان المعطوف والمعطوف عليه إذا قلت جاءني رجل ورجل بمثابة جاءني رجلان.
ومعنى البيت: لو عدت القبور منوعة مفصلة - وإنما يعني أسلاف من قدم عليه في الإذن والدخول خؤولة وعمومة - لكنت أكرمهم أباً، وأشرفهم بيوتاً. فكنى عن البيت والمنصب بقوله (وأبعدهم من منزل الذام) أي من منزل العيب، لأن الذام والذم بمعنى. يقال: ذامه يذيمه، كما يقال ذمه يذمه، وحيث يحصل العيب يحصل الذم، أظهر أو لم يظهر.
وقوله (فقد جعلت إذا ماحاجتي نزلت) يريد بجعلت طفقت وأقبلت. يقال: جعل يفعل كذا. والمعنى: أنى قعدت عنك وتركت زيارتك، وإذا اتفق مالا بد لي منك ومن معونتك من حاجة أو عارض سبب فإني معتمد على غيري في التنجز