للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله (وما بعض الإقامة) إنما بعضها لأنه أشار إلى الإقامة التي أوائلها تنزاح معها العلل، ويسهل في اختيارها الانفصال والترحل، وأواخرها تتغير بما يعرض فيها حتى يشق لها التلوم والتلبث. وارتفع (بلاء) لأنه خبر المبتدأ، وهوبعض الإقامة، (ويهان بها الفتى) في موضع الصفة لقوله في ديار. فيقول: إذا أمكن الارتحال عن دار الهوان، ولادافع ولامانع يوجبا الصبر فالإقامة بها بلاء، ويجب على الحر طلب الانفكاك منه، وروم الخلاص من أذاه.

وقوله (وبعض خلائق الأقوام) يريد أن يعض ما يتخلق به الناس يتعذر مفارقته ومداواة إزالته، فهو كالداء الذي يكون بالإنسان وقد استصحبه من بطن أمه. يريد أن ما اعتاده الإنسان من الأخلاق يصير لإذا أتت الأيام عليه، وقوى الإلف له، كالخلقة أو ما يجري مجراها.

وقوله (يريد المرء أن يعطي مناه) معناه أن الإنسان يتمنى أن يحصل له ما يتعلق به شهوته، ويرتاده هواه وإرادته، ويمنع الله تبارك وتعالى إلا ما يكون بشيئته، ويعرفه من مصالح خليقته.

وقوله (وكل شديدة) يريد أن الشيء لايدوم على حال، فالشدائد إذا نزلت يتعقبها الخير ورخاء العيش وسعته، لأن لكل أمر أمداً يمد له الوقت، فإذا تناهى انقطع.

ولايعطى الحريص غنىً لحرص ... وقد ينمي إلى الجود الثراء

غنى النفس ما عمرت غنى ... وفقر النفس ماعمرت شقاء

وليس بنافع ذا البخل مال ... ولا مزر بصاحبه السخاء

وبعض الداء ملتمس شفاه ... وداء النوك ليس له شفاء

قوله (ولا يعطى الحريص) يريد أن حرص الإنسان في طلب الغنى لايجدي عليه نفعاً، ولايقرب منه بعيداً، لأن ميسر اليسر والغنى هو من له الخلق والأمر، وإليه الإبرام والنقض.

وقوله (وقد ينمي إلى الجود) يريد أن الثروة والكثر هما ينميان مع الجود. وإنما يقدح بهذا الكلام في البخل والإمساك، وأن زيادة المال وبقاءه لايحصلان لهما وبهما. وقوله (إلى الجود) إلى بمعنى مع. تقول: هذا إلى ذاك.

<<  <   >  >>