زعمت تماضر أنني إما أمت ... يسدد أبينوها الأصاغر خلتي
زعم يتردد بين الشك واليقين، وها هنا يريد به الظن. وأنني مع الجزاء والجواب نائبٌ عن مفعوليه. يقول: ظنت هذه المرأة أنه إن نزل بي حادث قضاء الله عز وجل، سد مكاني ورم ما يتشعث من حالها بزوالي أبناؤها الأصاغر. ويريد بهذا الكلام التوصل إلى الإبانة عن محله، وأنه لا يغنى غناءه من الناس إلا القيل. وقوله " أبينوها " تصغير أبناء مقصوراً عند أصحابنا البصريين، وهو اسمٌ صيغ للجمع كأروى، وأثأبٍ، وأضحىً فهو على أفعل بفتح العين. وعند الكوفيين هو تصغير أبنٍ، مثل أدل على أفعلٍ بضم العين. ويقال: سد فلانٌ مسد فلانٍ، وسد خلته، وناب منابه، وشغل مكانه بمعنىً. فإن قيل: كيف ساغ أن يقول يسدد خلتي، وإذا مات لم تكن له خلةٌ. قلت أضافها إلى نفسه لما كان يسدها أيام حياته، فكأنه قال: الخلة التي كنت أسدها. وهذا من إضافة الشيء إلى الشيء على المعتاد فيهما. ومثله قولهم: شهاب القذف، فأضيف الشهاب إلى القذف لما كان من رمى الرامي. ووجوه الإضافات واسعةٌ كثيرة، وكذلك متعلقاتها.
أقبل عليها يوبخها ويخطئ رأيها، ويكذب ظنها، ويقبح اختيارها، في إفاتة نفسها الحظ منه، ويدعو عليها بالفقر والبأساء، والخيبة في الرجاء، فيقول: صار في يدك التراب، وهل رأيت لقومه من يماثلني في حالتي السراء والضراء واليسر والعسر، والغنى والفقر، حتى تعلقى منك رجاءك في بغيري إذا أخليت مكاني. وترب يستعمل في الفقر والخيبة لا غير، وأترب يستعمل في الغنى والفقر جميعاً، فإذا أريد به الغنى فالمعنى صار له من المال بعدد التراب، وإذا أريد به الفقر فالمعنى صار في التراب، كما يقال أسهل إذا صار في السهل. وقد يجوز أن يكون مثل أقل، والمعنى: صار مالك قليلاً من المال. وأضاق: صار في حال ضيقٍ. وقوله " حين تعلتى " المعنى وحين اعتمدت على إقامة العلة بحصول الفقر. وعلى هذا قوله:
قليل ادخار المال إلا تعلةً
أي قدر ما يقام به العلة. وقوله " لقومه " أضمر قبل الذكر، لأن الكلام يحتمل نية التقديم ونية التأخير.