رجلاً إذا ما النائبات غشينه ... أكفى لمعضلةٍ وإن هي جلت
انتصب " رجلاً " على أنه بدلٌ من مثلى، كأنه قال: هل رأيت لقومه رجلاً أكفى للشدائد وإن عظمت عند طروق النوائب وغشيان الحوادث مني. فحذف مني لأن المراد مفهومٌ. ويروى " أكفى لمعضلةٍ " وهي الداهية الشديدة، يقال أعضل الأمر إذا اشتد. يروى " لمضلعةٍ " وهي التي تضم الأضلاع بالزفرات وتنفس الصعداء حتى تكاد تحطمها.
ومناخ نازلةٍ كفيت وفارسٍ ... نهلت قناتي من مطاه وعلت
أخذ يعدد ما كانت كفايته مقسومةً فيه، ومصروفةً إليه. وقوله " ومناخ " مصدر أنخت. وكفيت يتعدى إلى مفعولين وقد حذفهما، كأنه قال: كفيته العشيرة. يقول: ورب نازلةٍ أناخت، أنا دفعت الشر فيها، وكفيت قومى الاهتمام بها؛ ورب فارسٍ سقيت رمحي من دم ظهره العلل بعد النهل. وخص الظهر ليعلم أنه قد ولى وأدبر.
وإذا العذارى بالدخان تقنعت ... واستعجلت نصب القور فملت
أقبل يعد خصال الخير المجموعة فيه، بعد أن نبه على أنه لا يقوم مقامه أحدٌ، فكيف من طمع في نيابته عنه بعده. والعذارى: جمع عذاراء، وأصله العذاري بتشديد الياء، فالياء الأولى مبدلةٌ من المدة قبل الهمزة، كما تبدل في سربالٍ إذا قلت سرابيلٍ، فلما انقلبت المدة ياء لانكسار ما قبلها وكان الأصل في همزة التأنيث ألفا عاد إلى أصلها لزوال الألف قبلها، فأبدل منه ياءٌ ثم أدغم الأولى في الثانية فقيل عذاري، وكذلك في صحراء صحاري، ثم حذفت إحدى الياءين تخفيفاً فقيل عذارى وصحارى، ثم فروا من الكسرة وبعدها ياءٌ إلى الفتحة فانقلبت ألفاً فقيل عذارى وصحارى. ويقال: عذر المرأة وأعذرها، إذا ذهب بعذرتها، وهو أبو عذرها وأبو عذرتها. فيقول الشاعر: وإذا أبكار النساء صبرت على دخان النار حتى صار كالقناع لوجهها، لتأثير البرد فيها، ولم تصبر على إدراك القدور بعد تهيئتها ونصبها، فشوت في الملة قدر ما تعلل به نفسها من اللحم، لتمكن الحاجة والضر منها، ولإجداب الزمان واشتداد السنة على أهلها أحسنت. وجواب إذا في البيت بعده. وخص العذارى بالذكر لفرط حيائهن وشدة انقباضهن، ولتصونهن عن كثيرٍ مما يتبذل فيه غيرهن. وجعل نصب القدور مفعول استعجلت على المجاز والسعة. ويجوز أن يكون المراد استعجلت غيرها بنصب القدور وفي نصبها، فحذف.