للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله (وحق لقيس أن يباح له الحمى) الأصل في الحمى الماء والكلأ، ولما كان العزيزمنهم يستبيح الأحمية ويحفظ حمى نفسه ويمنع منه كل أحد، وإذا قال أحميت هذا المكان، أي جعلته حمى، كان يتجنب ويتحامى إجلالاً وخوفاً منه - استعير من بعد للقلب وما يمتلك منه الحب أو الحزن أو غيرهما وما لا يمتلك منه، فيصير كأنه حمى العقل. فيقول: حق لقيس وللمصاب به أن يباح له من القلوب ما كان حمى، فلا ينزل به غم، ولا ولا يمتلكه سرور، أي حق للجزع به أن يبلغ من القلب حداً لم يبلغ منه شيء. وقد أخرجوا هذا المعنى في معارض لأنه صحيح حكيم الشريف، فقال كثير في الحب يصف إمرأة:

أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها ... وحلت تلاعاً لم تكن قبل حلت

يريد: بلغت من القلب هذا المبلغ.

وأخذه منه عبد الله بن الصمة القشيري، فقال:

فحلت محلاً لم يكن حل قبلها ... وهانت مراقيها لريا وذلت

وأخذه أبو نواس فقال:

مباحة ساحة القلوب له ... يرتع فيها أطالب الثمر

بصحن خد لم يغض ماؤه ... ولم يخضه أعين الناس

فنقل إلى الخد وغمض كما ترى.

وقال آخر يصف ناقة:

حمراء منها ضخمة المكان

يريد عظيمة المكان من القلب. ذكره الأصمعي. يريد أنها محببة. وقد قيل فيه غير هذا. وقوله: (وأن تعقر الوجناء أن خف زادها) كان الواحد منهم إذا مر بقبر رئيس وهو في صحبة أحب أن ينوب عن المقبور في الضيافة، فإذا لم يساعده من الطعام ما

<<  <   >  >>