للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويلازمكم، فتصير كالمثلة عليكم، فكأن آذانكم قد استوعب صلمها، عقوبة لكم بما عاملتم به جاركم من إحفار وإسلام، حين قتل في جواركم، واستبيح محرماته في ذممكم. ثم قال مستهزئاً ومعيراً: يا جيران ابن مية، أنبئوني أنصرتكم له عين أم ضمار، ووفاؤكم بما عقدتم له حق أم كذاب. والعين: ما يحضر ويشاهد، لذلك قيل في المثل: يدع العين ويتبع الأثر. والضمار: الغائب الذي لست منه على ثقة. قال الأعشى:

نرانا إذا أضمرتك البلاد ... نجفى وتقطع منا الرحم

وقوله تجلل خزيها عوف بن كعب، يريد: لبس خزى هذه الغدرة وتغطى بذمها قبائل عوف بن كعب كلها لا أنتم فحسب، لأعقابها بعدها عذر يقبل، ولا تنصل يسنع.

وقوله وإنكم وما تخفون منها، يريد مثلكم في ستركم أمرها، وتقديركم إخفاءها، على إنتشارها وذهابها في الناس، وعلى تغشيكم بدرنها، واستقذار الناس لكم لوسخها، مثل امرأة شاب رأسها ولا خمار لها فتختمر، مع ميلها إلى أن لا يرى شيبها. والمعنى: الأمر أظهر من أن يكتم أو يدفن.

وقال آخر:

تولت قريش لذة العيش واتقت ... بنا كل فج من خراسان أغبرا

فليت قريشاً أصبحت ذات ليلة ... تؤم بها موجاً من البحر أكدرا

هذا كلام رجل قد جمره الوالي، وتبرم بغربته، وشقى بالتباعد عن أهله ووطنه، فيقول: تفرد قريش بالتنعم والتلذذ، واستأثر بالعيش الطيب والرتعة الهنيئة، ورمت بنا مرامي منكرة لا راحة معها، ولا طائل فيها، وسدت طرق المفاوز الغبر التي لا تسلك ولا تعبر، بينها وبين أهل المشرق، وبودي أن ثبتت قريش على ليلة تفضى بها صبيحتها إلى أن تسلمها إلى موج أكدر، يجرفها إلى البحر ويغرقها. وهذا مثل، والمعنى: أتمنى أن تشملها بلية تفنيها وتريح العباد والبلاد منها. والكدر: نقيض الصفاء. ويقال: عيش أكدر، وقد كدر. وجعل الموج كذلك تهويلاً، وتكثيراً لماء

<<  <   >  >>