تركت ضأني تود الذنب راعيها ... وأنها لا تراني آخر الأبد
الذئب يطرقها في الدهر واحدة ... وكل يوم تراني مدية بيدي
قوله تود الذئب راعيها، لك أن تقول: عدي تود إلى المفعولين، ويسوغ ذلك فيه أنه عطف على مفعوله الأول قوله وأنها لا تراني آخر الأبد، ويكون التقدير لكشفه: وتود أنها لا تراني أبداً. ويشهد لهذا قول الآخر:
وددت وما تغني الودادة أنني ... بما في ضمير الحاجبية عالم
ألا ترى أن وقوع أن بعده يقرب الأمر في تعديه إلى مفعولين، وأن يجري مجرى أفعال الشك واليقين، كما تقول ظننت أن زيداً منطق، وأصحابنا النحويون بمثل هذا الاستدلال حكموا على زعمت بأنه يتعدى إلى مفعولين. ولا يمتنع أن يكون راعيها في موضع الحال، والمراد راعياً لها، ويتعدى تود حينئذ إلى مفعول واحد. والمعنى أن ضأني تتمنى أن يكون مدبرها في الرعية أعدى عدو لها، وتخرج من ملكتي وملكي، حتى لا أراها آخر الدهر، وذلك أن عدوها ينفع معه الحذر، بل لا يكاد يتمكن من الاضار بها طول الدهر إلا مرة واحدة، وذلك لعارض إهمال أو اتفاق سيء وإغفال، أو لما هو عادة الزمان في انتهاء الآماد من الإرصاد، وهي لا تحترز مني إذا أردتها وإن اجتهدت، ولا تطيق دفعها لي وإن احتفلت.
وقوله الذئب يطرقها هو بيان سبب تمنيتها وكشف العلة في تفاديها من أن تكون في ضمن سياسته لها. وانتصب واحدة على الظرف، مرة واحدة، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف، كأنه أراد طرقةً واحدةً. وقوله وكل يوم هو ظرف لقوله تراني حاملاً مدية لها، ومتهيئاً بآلة ذبحها. وإن شئت رويت مدية، ويكون بدلاً من المضمر في تراني، وهذا البدل هو بدل الاشتمال، أي ترى مدية. فأما وجه الرفع، فالضمير الذي استغنى عن الواو المعلقة للجمل بما بعدها وهي صفات أو أحوال، لأن الضمير يعلق كما يعلق العاطف. وفي الوجه الثاني وهو البدل مثله قول الله تعالى:" يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ".