للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله فلم أر مثل الإبل مالاً لمقتن فالمقتني: الذي يتخذها قنية للنسل، والمراد أنها إذا لم يوجد للإقتناء خير منها، فلا طريق تصرف إليه أصلح من طرق الجقوق الراتبة فيها. وانتصب بقلاً على التمييز. وإنما قال: لا تبكي على إفالها وهي الصغار منها، والواحد أفيل، إزراء بها إذ صارت إرثاً، ولم تدخل تحت ما فرقه في النوائب الطارقة، والفروض الواجبة.

وقال آخر:

ألا ترين وقد قطعتني عذلاً ... ماذا من البعد بين البخل والجود

إلا يكن ورقي غضاً أراح به ... للمعتفين فإني لين العود

يخاطب امرأة ويقررها على ما انكرت عليه في السخاء والبذل، ويريها أن الصواب فيما يختاره ويجري عليه من اكتساب الحمد ببذل ما تملكه يداه، وابتناء المكرمات بالتخرق في العطاء، فيقول: قد قطعتني لوماً، وحرقتني توبيخاً وعذلاً، ومتى راجعت نفسك، وناجيت عقلك، وخايرت تجربتك عرفت التفاةت بين الإمساك والبذل، وبين النسخي والبخل، وبان لك أن الصواب فيما أختاره، وعلى تغير الأحوال أراجعه واعتاده، وأن الخطأ فيما تبعثين عليه، وتسوقين إليه. ثم قال: إن كان في مالي قصور عن المراد، وقعود عند حضور المرتاد، فإن نفسي سمحة مجيبة، وعلى ما تقصر الحال عنه متحسرة، وسيعود عودي وريقاً، فحينئذ أرتاح للعفاة بورقي غضاً طرياً، وأزل معروفي موفوراً هنياً. ويقال: رحت له أراح، أي ارتحت. وقيل: الأريحي أفعلي من هذا. وذكر الورق كناية عن المال الكثير في كلامهم. قال زهير:

وليس مانع ذي قربى ولا رحم ... يوماً ولا معدماً من خابط ورقا

لما استعار الورق للمال وصله بالخابط تشبيعاً للفظه، وتحسيناً لكلامه، وكذلك هذا لما كنى عن معروفه بالورق وصله بالعود. وإذا لان العود اهتز، وعن الاهتزاز للخير يحصل التندي ويكرم الطبع.

<<  <   >  >>