للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجري مجراه. والمعنى أنهم يلزمهم السكينة والوقار في مجالسهم. ويقال: جاء يمشي هوناً، وهو المصدر. والأيسار: جمع اليسر، وهم الذين يجتمعون في الميسر على الجزور عن الجدب والقحط، فيجيلون القداح عليها، ثم يفرقونه في الفقرار وأرباب الحاجة والضراء. ويقال: يسر إذا أجال قدحه، فهو ياسر ويسر. قال:

إذا يسروا لم يورث اليسر بينهم ... فواحش ينمي ذكرها بالمصايف

وقال أبو ذؤيب:

فكأنهن ربابة وكأنه ... يسر يفيض على القداح ويصدع

والمعنى أنهم يرجعون إلى سجاخة خلق، وسلامة طبع، موقرون في مجالسهم، متكرمون في عاداتهم وشؤونهم، متعطفون على الفقراء زمن الجدب بميسرهم، يسوسون المكارم ويعمرونها بعد ابتنائها، ولا يغفلون عنها؛ وأن هذا الخصال لم يرثوها عن كلالة، وأن آباءهم على ذلك درجوا وتقضوا. ثم قال: إن يسألوا الخير يعطوه، يريد أنهم لا يتقاعدون عن البذل في الحقوق والنوائب، ولا يحوجون إلى استخراج ذلك منهم بالعنف والاستقصاء بل يخرجون منها إلى أصحابها، والمطالبين بها؛ وإن جربوا عند جهد البلاء، واشتمال الشدة والبأساء، وحملوا أكثر مما يلزمهم، وأثل مما ينهض به حالهم، طابت أفعالهم، وحسنت أنباؤهم، والأحاديث عنهم. ومن انتمى بتقرب إليهم، أو تودد لهم، لانوا له، وانقادوا لما يريده من جهتهم. وإن أوذوا وأحرجوا انكشفوا عن أذمار شر - وهو جمع الذمر، وهو الشديد لا يطاق - وإن كانوا في أنفسهم وسجاياهم غير أشرار، إلا أنهم إذا جذبوا إلى الشر وألجئوا زادوا على الأشرار. وقوله شهموا أي هيجوا. ويقال: فرس شهم، أي حديد نشيط ذكي؛ ومنه الشبهم. ويقال شهم الرجل، إذا ذعر أيضاً، ويرجع في المعنى إلى الأول.

<<  <   >  >>