للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومشتملاً على مخلك. فأين تنقلت ونزلت صحبك الخير وانساق معك الغيث. وعلى هذا يكون قوله من كل بلدة عاماً في أقطار الأرض وأبلادها. وروى أيضاً: فسيق الغمام الغر من كل بلدة وهو ظاهر المعنى. وقوله فأصبح منه، أي من الغيث. وقوله كل واد وصفه بقوله حللته وانتصب مسفوح المذانب على أنه خبر أصبح.

متى تنع ينع البأس والجود والندى ... وتصبح قلوص الحرب جرباء حائلاً

فلا ملك ما يدركنك سعيه ... ولا سوقة ما يمدحنك باطلا

يقول: بقاء السخاء والمروءة وتقوى الإله والشدة، متصل ببقائك، لأنها شيمك وطبائعك، فأنت تقيمها وتربها، وتحفظها عن الذهاب والدروس وتحرسها فإن هلكت فقد هلك جميعها، ويصبح الاستسلام والانقياد لهضمية والشر شاملين للناس، فلا يكون بهم دونها دفاع، ولا إباء منها ولا امتناع، وتصير قلوص الحرب سيئة الحال يقتطعها الحيال عن اللقاح، ويمتلكها ما بنفسها من الجرب والضعف عن النزو والجذاب. وهذا مثل لما يفارق الناس من العز والاقتدار، ويلازمهم من الذل والاكتئاب. وضد هذا قول زهير:

............................ وتلقح كشافاً ثم تحمل فتتئم

فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم ... كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم

وقوله فلا ملك ما يدركنك سعيه يصفه بأنه لا غاية وراء غايته لمرتق ولا فوق نهايته نهاية لمعتل، فكل ساع من الملوك يقف دونها، وينحط عن درجتها، وأن السوق وإن أسرفوا وأفرطوا في التفريظ والإطراء، يقصرون عن بلوغ حده بالوصف، وتصوير كنهه عند النعت، بل أحسن أحوالهم أن يقولوا بعض ما قيل من الحق.

وأدخل النون الثقيلة في يمدحنك ويدركنك لما في الكلام من من معنى النفي، ولأن ما الزائدة للتأكيد لفظه لفظ ما النافية. ومثله:

في عضة ما ينبتن شكيرها

<<  <   >  >>