للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله " إني أجاور ما جاورت في حسبي "، يريد أن من صاحبته مجاوراً له يجدني حسيباً في فعالي، كريماً عند مقالي. هذا مدة الجوار، ثم إن فارقته فارقته والدار تنطق بالثناء علي، فأخباري تستطاب في السماع إذا شهدت. وفي هذه الطريقة قول الآخر:

إذا كنت في دار فحاولت تركها ... فدعها وفيها إن رجعت معاد

وقوله في حسبي أي معي حسبي، فموضعه نصب على الحال. وإذا جاور ومعه حسبه منعه مما لايحسن. ألا ترى قوله تعالى في صفة المؤمنين: " وإذا مروا باللغو مروا كراماً "، أي الكرم منهم من التعريج على اللغو. ويقال: جاءنا فلان في درع، أي عليه درع، والعامل فيه لا أفارق. وقوله " أي فتى " مبتدأ وخبره مضمر، كأنه قال: أي فتى أنت؟ وقد جعل الطيب كنايةً عن الكريم؛ على ذلك قوله تعالى: سلام عليكم طبتم فادخلوها، أي كرمتم.

وقال آخر:

كم من لئيم رأينا كان ذا إبل ... فأصبح اليوم لامعط ولا قار

ولويكون على الحداد يملكه ... لم يسق ذا غلة من مائه الجاري

كم موضعه نصب على المفعول من رأينا. يريد: رأينا كثيراً من اللئام يملكون نفائس الأموال وكرامها، ثم ماتوا عنها أو أزيلت نعمهم وحيل بينهم وبينها، فصاروا من بعد لا هم معطون ولا فارون، أي عادوا وقد تغيرت حالهم، فلا يرجى ذلك من جهتهم. وقوله فأصبح اليوم وكان ذا إبل، كل ذلك مردود على لفظ لئيم، وإن كان من حيث المعنى يفيد الكثرة.

وقوله ولو يكون على الحداد، يريد: ولو ولى فيض الحداد، وهو اسم بحر، ممتلكاً له أيام غناه لما برد غليل رجل حران، ولا سقاء ماء لفيه، لبخله وقسوة قلبه. ومعنى على الحداد، أي متولياً له ومدبراً أمره، يقال: من عليكم؟ أي من يأمر عليكم ويلكم. وإذا كان كذلك فقوله على الحداد يتم الكلام به، لأنه خبر يكون،

<<  <   >  >>